في خطوة غير مسبوقة، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش السابق يوآف غالانت، على خلفية اتهامهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، وتأتي هذه الخطوة لتفتح بابًا جديدًا في السعي لتحقيق العدالة الدولية، حيث أكدت المحكمة أن هناك "أسبابًا منطقية" للاعتقاد بمسؤوليتهما المباشرة عن الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين ، وتُعَد هذه المذكرات تطورًا لافتًا في المشهد الدولي، حيث شددت المحكمة الجنائية الدولية على أن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة ليس شرطًا مسبقًا للمضي قدمًا في التحقيقات ، وهذا الموقف يعكس التزام المحكمة بمحاسبة مرتكبي الجرائم الدولية الكبرى بغض النظر عن مواقف الدول الأطراف، ويؤكد أن العدالة الدولية تُقدَّم كحق عالمي لا يخضع للاعتبارات السياسية أو السيادية ، وتتهم المحكمة الجنائية الدولية نتنياهو وغالانت بمسؤولية مباشرة عن إصدار أوامر وتنفيذ عمليات عسكرية أودت بحياة آلاف المدنيين الفلسطينيين، ودمرت البنية التحتية في قطاع غزة بشكل منهجي ، ويشمل ذلك استهداف المنازل السكنية، المدارس، والمستشفيات، وهي أفعال تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ومعايير حقوق الإنسان ، و
على الجانب الآخر، أصدرت المحكمة أيضًا مذكرة اعتقال بحق محمد الضيف، قائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس ، تتهمه المحكمة بارتكاب جرائم تشمل استهداف المدنيين الإسرائيليين عبر إطلاق الصواريخ، وهو ما يُصنَّف تحت جرائم الحرب ، و
رغم أهمية هذه الخطوة، تثير مذكرات الاعتقال تساؤلات حول ازدواجية المعايير الدولية ، إذ يبدو أن التركيز على القيادة الإسرائيلية لا يوازيه اهتمام متساوٍ بالجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين ، حيث يتطلب الأمر تحقيقات متوازنة وغير متحيزة تأخذ بعين الاعتبار الفجوة الكبيرة في توازن القوى بين الطرفين، والسياق الأوسع للعدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني ، ومن الناحية السياسية، من المتوقع أن تثير هذه المذكرات ردود فعل غاضبة من إسرائيل وحلفائها، الذين قد يسعون إلى تشويه صورة المحكمة الجنائية الدولية وتقويض مصداقيتها ، أما قانونيًا، فإن تنفيذ هذه المذكرات يواجه تحديات كبيرة، نظرًا لعدم تعاون إسرائيل مع المحكمة واعتمادها على دعم قوي من دول كبرى ، وتمثل مذكرات الاعتقال هذه خطوة رمزية مهمة في سبيل تحقيق العدالة، لكنها ليست كافية بمفردها ، سيما وأن تحقيق العدالة الكاملة يتطلب دعمًا دوليًا قويًا، وضمان عدم إفلات المتهمين من العقاب ، كما يُعد تعاون الدول الأطراف في المحكمة عاملاً حاسمًا في ضمان تنفيذ المذكرات، خاصة أن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك قوة تنفيذية ، وفي النهاية، تضع هذه المذكرات العدالة الدولية أمام اختبار صعب، حيث تقف المحكمة الجنائية الدولية أمام فرصة تاريخية لتأكيد قدرتها على مواجهة الجرائم الكبرى ومحاسبة مرتكبيها، بغض النظر عن مواقعهم أو مناصبهم ، في الوقت ذاته، تُذكِّر هذه الخطوة العالم بأهمية تعزيز النظام القانوني الدولي، وتوجيه رسالة واضحة بأن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب لن تمر دون عقاب، وأن العدالة ستظل السقف الذي يسعى العالم لتحقيقه مهما طال الزمن . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .