غزة، تلك الأرض الصغيرة بحجمها، الكبيرة بحكاياتها. هنا تُكتب أعظم ملاحم الصمود، حيث يقف شعبها أمام الظلم وقسوة الحصار كجبلٍ شامخ، لا تهزه الرياح العاتية ولا تقتلع جذوره العواصف مهما بلغت شدتها.
في غزة، يتنفس الناس الكبرياء رغم القهر، ويزرعون الأمل في أرضٍ حاولوا قتلها مرارًا. أهلها لا يعرفون الاستسلام، ولا يعترفون بالضعف. كل طلقةٍ تُطلق عليهم تولد بداخلهم حياة جديدة، وكل بيت يُهدم يتحول إلى حجرٍ في أساس الكرامة.
كيف لا يتأثر القلب حين يرى أطفال غزة؟ هؤلاء الذين رسمت ملامح الحرب على وجوههم، لكنهم رغم كل شيء، يضحكون كأنما أرادوا أن يعلنوا: "لن نُهزم". هؤلاء الأطفال هم أعظم دروس الإرادة، إذ يلعبون وسط الأنقاض، ويغنون رغم صخب الدمار، ويحلمون بمستقبلٍ لا تلمسه أيدي الظالمين.
وأما نساء غزة، فهن أمهات الأبطال، وأيقونات التضحية. هن اللواتي يبكين بصمت على فراق الأحبة، لكنهن يرفعن رؤوسهن شموخًا وكبرياء. في كل بيتٍ من بيوت غزة، توجد قصة ألمٍ لا يطاق، لكنها أيضًا قصة صمودٍ يلامس السماء.
غزة ليست مدينة محاصرة فحسب، إنها رمزٌ للكرامة الإنسانية. شعبها يعلمنا أن القوة ليست في العدد ولا في السلاح، بل في الإرادة التي لا تُكسر، في القلوب التي لا تستسلم، وفي الأصوات التي تصرخ للحق حتى آخر رمق.
كل قنبلة تُسقط على غزة توقظ فيهم روحًا لا تعرف الخضوع. كل شهيدٍ يروي بدمه أرضها، يزرع بذرة أملٍ جديدة لأجيالٍ قادمة. هنا في غزة، يكتب التاريخ بأقلامٍ من دم، لكنه أيضًا يرسم صورة العزة التي لن تُمحى.
حين تُذكر غزة، يصرخ الوجدان: كيف استطاعوا أن يبقوا؟ كيف عاشوا وسط هذا الدمار؟ لكن الإجابة تأتي من أعينهم: لأننا أصحاب حق، ولأننا نؤمن أن الحياة دون كرامة ليست حياة.
غزة ليست مجرد مدينة؛ إنها درسٌ لكل إنسان يبحث عن الحرية، إنها رسالة لكل من يعتقد أن القوة في المال والسلاح. غزة تعلمنا أن الإنسان قادر على الوقوف أمام كل شيء إذا كان مؤمنًا بعدالة قضيته.
إلى غزة وأهلها نقول: أنتم النبض الذي يعيد للأمة كرامتها، أنتم الشمعة التي تنير لنا طريق العزة. أنتم من يكتب لنا معنى الحياة في زمنٍ يريد فيه الأعداء أن يمحوا هويتنا. ستبقى غزة، وستبقى أرواحكم الصامدة أعظم ما سطره التاريخ.
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي