يشهد العالم اليوم تحولات جذرية في موازين القوى، إذ تتسارع الدول الصاعدة والنامية لإثبات وجودها على الساحة الدولية في ظل بروز نظام عالمي متعدد الأقطاب قيد التشكل ،وفي هذا الإطار، توسعت مجموعة البريكس، التي بدأت بخمس دول مؤسسة (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا)، لتشمل دولاً أخرى من مجموعة العشرين، في مؤشر على إمكانية تعاون أوسع بين التكتلين مستقبلاً ، وهي :
البريكس: من تحالف اقتصادي إلى منصة جيوسياسية ،مع انضمام دول جديدة مثل الإمارات، مصر، إيران، الأرجنتين، وإثيوبيا، أصبحت البريكس منصة اقتصادية ذات تأثير عالمي متزايد ، وهذا التوسع يعكس تحول المجموعة من كيان اقتصادي بحت إلى تحالف جيوسياسي يسعى لإعادة تعريف النظام الدولي ، وبالنسبة للدول العربية، خصوصاً النفطية مثل السعودية والإمارات والجزائر والكويت، فإن الانضمام إلى البريكس يمثل فرصة لتعزيز شراكاتها مع القوى الصاعدة، وخاصة الصين والهند، باعتبارهما من أكبر مستهلكي النفط في العالم ، وجدير بالذكر أن أحد الطموحات الكبرى للبريكس يتمثل في إنشاء عملة مشتركة تقلل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وهو ما قد يوفر دعماً كبيراً للدول التي تعاني من تذبذب في قيمة عملاتها، مثل مصر. ومع ذلك، فإن هذا التحول يحمل في طياته احتمال نشوب صدام اقتصادي مع الغرب، خاصة إذا تطور البريكس إلى تكتل جيوسياسي يتحدى الهيمنة الغربية التقليدية ، وبالرغم من الفوائد المحتملة للانضمام إلى البريكس، تتخذ السعودية موقفاً حذراً، إذ تسعى للحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة ، لكنها في الوقت ذاته تتطلع إلى تعزيز دورها كمركز صناعي ولوجستي في الشرق الأوسط، ما يجعلها توازن بين الانفتاح على الشرق والحفاظ على ارتباطاتها الغربية ، أما
تركيا بدورها تظهر اهتماماً بالانضمام إلى البريكس، وهو طموح يعكس رغبتها في تعزيز مكانتها كجسر بين الشرق والغرب ، بفضل موقعها الاستراتيجي وعضويتها في حلف الناتو، تمتلك تركيا القدرة على لعب دور وسيط بين الكتلتين ، ومع أن الاتحاد الأوروبي يمثل أكبر شريك تجاري لأنقرة، فإن علاقاتها الاقتصادية مع روسيا تمنحها مزيداً من النفوذ في هذا السياق ، وأيا كانت طموحات الدول يبقى توسع البريكس يعبر عن طموح دول الجنوب العالمي لإقامة نظام أكثر توازناً وعدالة ، وبالنسبة للغرب، يمثل هذا التحالف تحدياً يتطلب استجابة حكيمة لتجنب تحويل البريكس إلى كتلة مناهضة بالكامل للمصالح الغربية ، و
في خضم هذه التحولات، يتضح أن البريكس ليس مجرد تحالف اقتصادي، بل خطوة نحو إعادة تشكيل النظام العالمي ، من خلال تعزيز شراكاتها مع الدول الصاعدة، تسعى البريكس إلى إقامة توازن استراتيجي جديد يعكس تطلعات شعوب الجنوب العالمي، مع الحفاظ على مساحة للمناورة بين الشرق والغرب ، فالبريكس ليست مجرد مجموعة دول ، إنها انعكاس لعالم يتغير، حيث الفرص والتحديات تتداخل لتعيد صياغة قواعد اللعبة الدولية ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .