قرار هام، وغير مسبوق انتظره كثيرون، وسعى لتحقيقه كثيرون، قرار يضع إسرائيل لأول مرة في دائرة الاتهام الدولي، ويضع من يدعمها في مأزق وحرج دولي لدعمه لها، أيّا كان نوع هذا الدعم بطبيعة الحال، هو قرار يحضر به إقرار دولي بتجريم نتنياهو، وغالانت، بعد أكثر من (14) شهرا من حرب إبادة ومجازر يومية على بقعة جغرافية صغيرة يسكنها أكثر من مليونين ونصف المليون مواطن، ليأتي القرار حاسما انتظارا للغزيين ولدول كثيرة عربيا ودوليا.
يُمكن القول بهذا الشأن، وأخيرا، نعم وأخيرا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال رسمية ضد نتنياهو وغالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة بعد 14 شهرا على مجازر يومية وكوارث، وحتى تكتمل الصورة الإيجابية لهذه المذكرة على العالم الامتثال لها وتطبيقها، ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا «دون ذلك، ستكون دون قيمة»، ففي تطبيقها نجد إيجابيتها، وقيمتها.
قرار المحكمة الجنائية الدولية، يشكّل سابقة، حقيقية، ولكن للأسف أن إسرائيل بإدارة حكومتها المتطرفة، على الرغم من صدور القرار إلاّ أن المجازر ما تزال مستمرة، وما يزال أهلنا في غزة يعيشون واقعا كارثيا، ما يفرض وبموجب القانون ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب ومنع الإفلات من العقاب، في خطوات عملية لرفع الظلم عن أهلنا في غزة، ووقف هذه الحرب الكارثية التي لم تبق أيّا من مقومات الحياة الطبيعية للأهل في غزة، بل لم تبق جزءا من هذه المقومات أو شكلا من أشكالها.
دول كثيرة لجأت لمحكمة العدل العليا لإنصاف الأهل في غزة، والفلسطينيين، كان من أوائل هذه الدول الأردن، ذلك أن يد القانون هي الأكثر عملية لإنصاف الغزيين، ووضع حدّ نهائي للجرائم التي تقترف بحقوقهم، ما يجعل من ضرورة الامتثال لتطبيق قرارات الجنائية الدولية أمرا ضروريا وليس خيارا، أو يفتح أي مجالات للتفكير، أو التأجيل، والأخطر عدم التطبيق، فما تقوم به إسرائيل اليوم وللأسف مستمرة به في غزة بات يشكّل أخطر ما شهده التاريخ من جرائم حرب، ومن مجازر وكوارث، بل وتستمر بجرائمها للبنان الشقيق، وتمضي بها لأبعد من ذلك في خططها، لجر المنطقة بل العالم إلى حرب حقيقة لن تُحمد عُقباها.
وفي قراءة لقرار الجنائية الدولية، حقيقة تؤكد أن القانون الدولي وضع إسرائيل على طاولة المطالبات بالعدالة، ولم يشفع لها احتماؤها ببعض الدول وبعض الحجج الهشّة، إضافة لكونه يضع الجانبين السياسي والعسكري في إسرائيل أمام حالة غضب في حكومة التطرف خوفا من ان يطالهم ذات القرار مستقبلا، وربما كل هذا سيُربك إسرائيل على الأقل في الشارع الداخلي، وعلى طاولة حكومتهم، ناهيك عن تجنّب الكثير من الداعمين لها سواء كان معنويا أو عسكريا أو ماليا خوض تجارب جديدة معها، أيضا خوفا من أن يطالهم ذات القرار، إضافة لكون القرار زاد من عُزلة إسرائيل، عُزلتها السلبية بطبيعة الحال، فهناك من يختار عُزلة لأغراض إيجابية، لكن إسرائيل كيان معزول عن العالم اليوم الذي بات حقيقة يتغيّر بشكل كبير تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
120 دولة وقعت على قانون المحكمة الجنائية الدولية، عدد يحكي تفوّقا في تغيير بوصلة العالم بشكل كبير، من.. إلى، من مواقف مؤيدة لإسرائيل، إلى مواقف تطالب باعتقال نتنياهو، ومحاسبته وعقابه على جرائم حرب اقترفها وما يزال في غزة، بإجرام حقيقة لم تشهده البشرية، فما قرار الجنائية الدولية سوى سابقة بمنح الأمل لأهل غزة محاسبة قاتل أبنائهم ومدمّر حياتهم ومقوماتها، وكل ما يملكون، ومن أخرجهم من منازلهم، بل أخرجهم من الحياة بكافة تفاصيلها الطبيعية والعادية، ليس رقما عاديا اليوم 120 صوتا ينادي بضرورة اعتقال نتنياهو ومعاقبته، وكفّ يده الملطخة بدماء الأطفال والنساء عن جرائمها.