السحر والشعوذة من المعتقدات الشعبية القديمة التي إستمر بقاؤها حتى الآن، والتي تحمل في ثناياها سلوكيات إنحرافيه لا عقلية، إلا أنها أحيطت بنوع من التقديس والسرية، بإعتبارها تمثل عالماً غريباً، مليئا بالخوف والرهبة في إكتشاف الغيب، والشعور بالقوة والإستبداد حيث إستعملته فئة قائدها الأمل والرغبة الجامحة في الحصول على أمر مفقود بعد أن عجزت الحلول الأخرى عن تحقيقها.
وكر السحر والشعوذة أصبح منزلا و مكانا يؤمّه قداسة كبار المسؤولين، من سياسيين و دبلوماسيين ووزراء، وممن كانت لهم الرغبة بخوض الإنتخابات البرلمانية.
ليست المرّة الأولى التي نسمع فيها عن مثل هؤلاء، حتى أنّ أمثالهم موجودون في قصور الحكّام والزعماء العرب وغير العرب، فمنهم من يتعامل بالطلاسم ومنهم من يحبذ التعامل بالزئبق ومنهم بالمحبس ( الخاتم) مثلا. فالرئيس الأمريكي بوش الإبن كان يستعين بهم كثيرا، والرئيس السوداني جعفر النميري، والعديد من حكّام إفريقيا وآسيا وغيرهم من زعماء الدول الأخرى، التي بات حكّامها ومسؤوليها أسرى لهؤلاء السحرة المشعوذين.
من الواضح أننا كأمّة عربية نعيش في عالم مليء بالسحر وأعمال الشعوذة، وما تمارسه بعض الأنظمة بحقّ شعوبها لا يختلف عن هؤلاء السحرة المشعوذين، يحكمون شعوبهم بالطلاسم والكلام غير المفهوم، حتى وصلنا إلى مرحلة بتنا نعتقد بأنّ هؤلاء الحكام منزلون ولا يجوز معارضتهم أبدا، خوفا من إنقلاب السحر على الساحر .
يالنا من أمّة غارقة في أتون الجهل والتخلّف، حين نشعر في كثير من الأحيان بأننا مجرّد قطيع خراف في مرعى السلطة السياسية، وما علينا سوى ترديد .. مااااااااااااااع ! حتى أغلبية البرلمانات العربية حين تقوم بالتصويت على قرار أو قانون بالإجماع، يأتي الصوت ؛ إج ماااااااااع !
ومثلما لم يعد السحر مقتصرا على دول عالم معين مهما كانت ظروفه (سواء كانت سيئة أو حسنة…) لم يعد أيضا يقتصر على النساء كجنس واللاتي ألصقت بهن صفات الجهل والكيد، بل أصبح الرجال منافسين لهن في الميدان، فنرى السيارات الضخمة والفخمة والفارهة مصطفة طوابير، ينتظر أصحابها دورهم لقراءة الطالع في عدة أمكنة وعلى مرأى الجهات المسؤولة.
وهذا ما يؤكد أيضا أن مرتادي هذه الأماكن واللاجئين إلى هذه الظاهرة ليسوا من الطبقات الأمية أو متوسطة التعليم على أقل تقدير، بل إن أغلبهم من الطبقات التي تعد في قائمة المثقفين والمؤثرين في مجتمعاتهم، في محاولة منهم لإشباع الجانب الروحي كبديل للدين وضعف اليقين في نفوس هؤلاء، ولفراغ روحي رهيب يجعلهم يلجؤون إلى هؤلاء المشعوذين لمجرد الاطمئنان على المستقبل الذي هو بيد الله.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي