ما مغزى ذلك وما دلالاته السياسية ؟؟ ولماذا هذه الازدواجية في المعايير التي تظهر غياب العدالة في التعامل مع القضايا السياسية والإنسانية ؟؟
منذ عقود، تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعات متعددة الأوجه، تتشابك فيها الأبعاد السياسية والجغرافية والإنسانية، ومن بين هذه الصراعات، تبرز الحرب الأهلية اللبنانية وما صاحبها من تدخلات دولية لوقفها، مقابل الصراع المتواصل في غزة الذي لم يشهد تدخلاً دوليًا حاسمًا لإنهائه، هذا التباين يثير تساؤلات حول المعايير التي تحدد تدخل المجتمع الدولي في صراعات معينة، بينما يترك أخرى في دائرة العنف المستمر.
في لبنان اذا عدنا للوراء قليلاً، كانت الحرب الأهلية التي امتدت من عام 1975 إلى 1990 تمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي والدولي ، وكان لبنان بحكم موقعه الجغرافي ملتقى للعديد من المصالح المتقاطعة، سواء للدول العربية أو القوى الغربية، ومع تزايد التدخلات الإقليمية في الصراع اللبناني، شعرت القوى الكبرى بضرورة التدخل لوقف الحرب، ليس بدافع إنساني فقط، بل لحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، جاءت اتفاقية الطائف عام 1989 بدعم سعودي وأمريكي وفرنسي، لتضع حدًا للنزاع الدموي، لأن الفوضى في لبنان كانت تمثل خطرًا يمتد إلى الجوار، بما في ذلك إسرائيل، وكانت تهدد بتعطيل التوازنات الإقليمية، مما دعا المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات جادة لانهاء هذا الصراع.
أما في غزة، فإن الصراع ذو طابع مختلف، هو صراع بين شعب تحت الاحتلال الإسرائيلي وقوة عسكرية كبرى مدعومة دوليًا، على الرغم من المعاناة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة من حروب متكررة وحصار مستمر، فإن المجتمع الدولي غالبًا ما يكتفي بإصدار بيانات الشجب والتنديد، دون خطوات عملية لفرض وقف الحرب أو معالجة جذور الصراع، ويمكن تفسير هذا الموقف بعدة عوامل، أبرزها الدعم الغربي المطلق لإسرائيل، التي تُعتبر حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة والدول الأوروبية، بمعنى أن أي ضغط حقيقي على إسرائيل لإنهاء الحصار أو وقف هجماتها على غزة يُنظر إليه على أنه تهديد لتفوقها العسكري، وهو ما يتعارض مع سياسات تلك الدول.
إضافة إلى ذلك، يعاني الفلسطينيون من انقسامات داخلية، أبرزها الخلاف بين حماس التي تسيطر على غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، هذا الانقسام يُستخدم كذريعة لتبرير عدم تدخل المجتمع الدولي بحجة عدم وجود شريك فلسطيني موحد يمكن التفاوض معه. كما أن الدول العربية، التي لطالما دعمت القضية الفلسطينية، أصبحت في السنوات الأخيرة تركز على قضايا داخلية أو صراعات إقليمية أخرى، مما أضعف الزخم العربي للضغط على المجتمع الدولي.
ما يحدث في غزة يعكس بوضوح ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الإنسانية والسياسية، التدخل لوقف الحرب الأهلية في لبنان كان مدفوعًا بالمصالح الدولية، بينما في غزة تُترك المعاناة بلا حلول بسبب هذه المصالح ذاتها.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستظل حقوق الشعوب رهينة لاعتبارات السياسة والمصالح، أم أن هناك أملًا في يقظة إنسانية تضغط من أجل تحقيق العدالة؟ أم أن العدالة فقط في السماء ؟؟!!
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي