في تموز عام 2006، وبعد ان توقفت تلك الجولة من الحرب، التي دارت بين حزب الله ومحور الإجرام وعملائه داخل وخارج لبنان، كتبنا مقالات مفعمة بروح الانتصار، وقد نكتب مثلها الآن لو لم تكن اللعبة إيرانية بالكامل، أو لو كانت فعلا متضامنة ومساندة للصمود الفلسطيني في وجه حرب الاستئصال والإبادة، لكن لا يمكن ان نقبل على أنفسنا تزييف الحقيقة، فالنتيجة كما نتابع ونشاهد مع كل أسف، ضد الفلسطينيين، ولم توقف حرب الإبادة ولم تتمكن من إعادة النازحين الغزاويين وغيرهم، بل سنشاهد قريبا عودة المستوطنين والمحتلين المجرمين إلى مدن الشمال الفلسطيني المحتل، وهو الهدف الأول الذي أعلنه المجرم نتنياهو، من إعلانه شن الحرب على لبنان، ورد عليه قائد حزب الله آنذاك حسن نصرالله بأن هذا لن يتحقق إلا بوقف الحرب على غزة وعودة النازحين الغزاويين، بل هدد نصرالله بأن سكان مدن أخرى من المحتلين سوف يهجرونها كما حدث في الشمال الفلسطيني.
ما الذي حققه حزب الله من الصعود فوق الشجرة، وكيف يمكن أن نفهم هذا النزول إلى قاعها؟.. الإجابة يمكن ملاحظتها من السلوك الإيراني في استثمارها للحرب او قل للدمار والموت والقتل والاغتيالات، التي حدثت بحق العرب اللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين، والسوريين والعراقيين، حيث عادت الآن تطلق تلك التصريحات والتهديدات غير المبررة، والتي لا يوجد لها أسباب ودوافع، كتلك التي حدثت قبل هذه الجولة من الحرب على لبنان، والتي تضمنت ردودا إيرانية تتجاوز حدود التوقع الإسرائيلي، فلماذا تطلقها إيران الآن، إن كنا قد تفهمنا سبب إطلاقها حين قامت اسرائيل بالاعتداء على السيادة الإيرانية وقتلت رئيسها السابق، ثم قتلت الشهيد إسماعيل هنية في قلب عاصمتها طهران، وأتبعته بسلسلة من الاغتيالات والقتل لرجالها في سفارتها ومواقع أخرى في سوريا، أو في لبنان والعراق، واليمن؟!.
هذا النمط التقليدي من حروب الوكالة الذي تستثمر فيه إيران بنجاح، لو كان يحدث في أراض إيرانية، وتقدم فيه إيران ضحايا وتعاني من دمار داخل حدودها، لهان الأمر، ولما فكرنا وتحدثنا بهذه الطريقة، لكن الموت والقتل والتدمير والخداع والمغامرات كلها، تحدث على حساب العرب، وبهذا المعنى فإن كل اللبنانيين الذين قضوا في هذه المواجهة، هم طاقات عربية، خسرناها نحن، وليست إيران، وكسبها في حسابات الحروب الحلف المجرم، الذي يخطط للاستيلاء على ارض العرب، وليس على أرض بلاد فارس، ويبحث مجرموه عما يكفي من رصيد دم الضحايا لتحسين وتحصين مواقفهم السياسية المحلية والإقليمية والتفاوضية، فما الذي تخسره إيران؟ وإلى أي مدى يكون موقفها وتعاطيها مع هذا الشأن صادقا وصحيحا ونزيها، ويمكننا التعويل عليه كعرب، ضد المشروع الصهيوني التوسعي المدعوم من امريكا واوروبا ومنظومة العملاء حول العالم؟.
اطلقت إيران تصريحات بردّ وشيك خلال الأسبوع السابق للانتخابات الأمريكية، وفهمنا بأنه تصريح موجه لأمريكا، التي ناغمت معه أيضا ووظفته ببراعة في أخبار التطمينات لكل العرب الذين يبحثون عن حرب تقهر الإجرام الصهيوني، او توقف اندفاعه، وها هي اليوم تعود للتهديدات نفسها عشية اليوم الذي توقفت فيه جولة الحرب ضد لبنان، واختفت غزة وحربها من المعادلة، فالدمار والإبادة والإجرام بكل أنواعه وأشكاله يدور بغزة متصاعدا، وسوف تعود الحرب على غزة رئيسية وليست ثانوية، كما قال نتنياهو حين انشغل بجبهة لبنان.. إذا أين أهداف حزب الله التي أعلنها بأنه لن يوقف صواريخه ولن يسمح بعودة المحتلين من السكان الإسرائيليين إلى شمال فلسطين المحتلة؟ وهل ما زالت مشاركتهم «مساندة» لغزة وفلسطين؟.. حتى أثناء هذه الجولة من الحرب على لبنان، لماذا لم يستخدم حزب الله مقدارا أكبر من قوته، ويؤلم اسرائيل أكثر، والجميع يعلم بأنه يستطيع، فهو على الأقل ليس محاصرا في سجن كسجن غزة او حتى سجن فلسطين؟
مثل هذه النتائج والسلوك والحسابات، ومع تقديرنا لجهود كل الجنود الذين وقفوا ويقفون في وجه اسرائيل وغيرها من حلف الإجرام، وأسفنا على خسارتنا لهم فهم عرب منهم مواطنون أبرياء وقادة أفذاذ، لكنهم ذهبوا «حطب ثورة وابتزاز سياسي»، استخدمته أطراف من المعركة غير عربية، بينما كل النتائج الأسوأ يحظى بها العرب!.
شخصيا أقدّر مواقف حزب الله البطولية الشجاعة ضد إسرائيل، وأتعاطف معهم في حروبهم ضد الصهاينة وأؤيدها، لكنني أشك في هذا كله حين ألحظ أن المستفيد هو إيران والخاسر هو الفلسطيني واللبناني والسوري والعراقي واليمني، ولا خسائر تذكر في إيران (زعيم محور المقاومة) الذي أعتقد أن المقاومة الفلسطينية ليست محسوبة عليه عمليا، والدليل هو هذا الوقف لمشاركة حزب الله في الحرب، بينما هي مستمرة على غزة، التي قالوا بأنها هي سبب انطلاق صواريخ حزب الله ضد الأهداف الإسرائيلية.
أهم ما يعنينا في الأردن هو الاعتماد على أنفسنا للدفاع عن بلدنا ومصالحنا، وأعتقد أن هناك دروسا مستفادة كثيرة من هذه الحرب المجرمة، يجب أن تدفعنا لنفكر بأدوات أخرى نستخدمها عند الضرورة، تمكننا من إشعال أو إطفاء حروب من هذا النوع، مع التأكيد بأننا دولة ولها سيادة وعندها جيش له تجاربه ومبادؤه وثوابته.. حيث لا تكفي السياسة وحدها في مثل هذه الجولات من الصراع.