زاد الاردن الاخباري -
شنّت "هيئة تحرير الشام" وفصائل حليفة لها هذا الأسبوع، أكبر عملية عسكرية منذ سنوات ضد مناطق يسيطر عليها الجيش السوري في شمال وشمال غرب سوريا، في هجوم مباغت أتاح لها السيطرة على معظم حلب، ثاني كبرى مدن البلاد.
ما هي خلفيات هذا الهجوم الذي يأتي بعد سنوات من الهدوء النسبي؟
لماذا الآن؟
شنّت "هيئة تحرير الشام"، التي عرفت سابقاً بـ"جبهة النصرة"، وهي تنظيم متطرف كان مرتبطاً بالقاعدة، إضافة إلى فصائل أخرى متحالفة معها، هجوماً على مناطق تسيطر عليها الحكومة السورية في محافظتي حلب (شمال) وإدلب المحاذية لها (شمال غرب).
وسيطرت هذه الفصائل المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد، على معظم مدينة حلب والعديد من القرى والبلدات في الشمال السوري، على ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، السبت.
بدوره، أقر الجيش السوري بدخول الفصائل المسلحة إلى "أجزاء واسعة" من مدينة حلب، ومقتل العشرات من عناصره في اشتباكات ممتدة على جبهة بطول نحو 100 كيلومتر.
وأسفرت المعارك عن مقتل 327 شخصاً، وفقاً للمرصد السوري، غالبيتهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم مدنيون قضى معظمهم، بحسب المرصد، في قصف من طائرات روسية تدعم الجيش في المعركة.
وتقول دارين خليفة الباحثة في "مجموعة الأزمات الدولية" إن تلك الفصائل كانت تعد للهجوم منذ أشهر.
وأوضحت: "قاموا بتصويره على أنه خطوة دفاعية ضد تصعيد كان يريد النظام القيام به"، مع تكثيف الحكومة السورية وحليفتها روسيا غاراتها على المنطقة قبيل الهجوم.
وأضافت خليفة أن "هيئة تحرير الشام" وحلفاءها "تنظر أيضاً إلى التغيرات الأكبر على المستويين الإقليمي والجيواستراتيجي".
اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين إسرائيل وحزب الله بعد نزاع بين الطرفين امتد 13 شهراً على خلفية حرب غزة.
وخلال تلك الفترة، كثّفت إسرائيل غاراتها في سوريا على مجموعات موالية لإيران الداعمة للأسد، ومنها حزب الله الذي ساند بشكل مباشر القوات الحكومية السورية في النزاع الداخلي خلال الأعوام الماضية.
وتُعتبر روسيا كذلك حليفاً بارزاً أيضاً للأسد، وساهم تدخّلها العسكري المباشر اعتباراً من العام 2015، في قلب ميزان القوى الميداني لصالح دمشق.
وتقول خليفة: "يعتقدون أن هذا وقت يكون فيه الإيرانيون ضعفاء، والنظام محاصرا، وتركيا (الداعمة لبعض الفصائل المسلحة في شمال سوريا) أكثر جرأة إزاء روسيا".
من هي القوى الفاعلة؟
امتنعت القوى الداعمة لكل من الطرفين حتى الآن عن الإدلاء بأي تعليق تصعيدي.
واعتبر المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الوضع في حلب "انتهاك لسيادة سوريا". وأعرب عن دعم بلاده "للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري".
من جهتها، دعت تركيا إلى "وقف الهجمات" على مدينة إدلب ومحيطها، معقل الفصائل المسلّحة في شمال غرب البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية عبر منصة "إكس" إن الاشتباكات الأخيرة "أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية".
من جانبها، جددت طهران، الجمعة، دعمها الحازم لحليفتها سوريا، وجاء في بيان للخارجية الإيرانية أن الوزير عباس عراقجي "شدد على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب"، في اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.
وتقول خليفة في حديث مع وكالة "فرانس برس": "في الأيام القليلة المقبلة، إذا تمكّنت (الفصائل) من المحافظة على مكاسبها، فسيكون ذلك اختباراً إزاء ما إذا كانت تركيا سوف تتدخل أم لا".
ويأتي هذا الهجوم المباغت والكبير في وقت تعثّرت فيه جهود التقارب بين سوريا وتركيا خلال العامين الماضيين.
ودفعت روسيا وإيران نحو خفض للتصعيد بين سوريا وتركيا، لكن دمشق تؤكّد أنه ينبغي على أنقرة سحب قواتها من أراضيها قبل أي تطبيع للعلاقات.
ودعمت أنقرة إسقاط الأسد بعيد اندلاع النزاع في العام 2011، لكن تركيا خفّضت من حدّة موقفها تجاه دمشق مع استعادة القوات السورية السيطرة تدريجياً على مناطق في البلاد.
وتقول كارولاين روز من معهد "نيو لاينز" في واشنطن، إن ردّة الفعل الضعيفة لحلفاء سوريا قد تكون وسيلة "لإرغام النظام على التفاوض من موقع ضعيف، في ظل غياب أي مؤشر للدعم من إيران وروسيا".
تهديد للأسد؟
عانت الحكومة السورية هذا الأسبوع من أكبر خسارة ميدانية منذ أعوام. وتعتبر خليفة أن "خطوط النظام انهارت بوتيرة مذهلة أدهشت الجميع".
وقطعت الفصائل طريق دمشق حلب الدولي، وسيطرت على تقاطع مهم بين طريقين يصلان حلب بكل من دمشق واللاذقية.
وبحسب مدير المرصد رامي عبد الرحمن، فإن الفصائل تقدّمت في حلب من دون "مقاومة كبيرة من قوات النظام". ويضيف "من الغريب أن نرى قوات النظام تتلقى ضربات قوية كهذه رغم الغطاء الجوي الروسي والمؤشرات المبكرة على أن هيئة تحرير الشام ستشن هذه العملية".
واعتمدت دمشق إلى حدّ كبير على القوة الجوية الروسية وعلى حزب الله في الميدان لاستعادة مناطق واسعة خسرتها خلال الحرب لصالح فصائل معارضة.
لكن الهجوم الراهن يأتي في وقت تنشغل فيه روسيا بحربها في أوكرانيا، وحزب الله بالضربات التي تلقّاها خلال المواجهة الطويلة والقاسية مع إسرائيل.
ويشرح رئيس معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركي آرون شتاين أن "وجود روسيا (في سوريا) تقلّص بشكل كبير، والغارات الجوية السريعة أصبحت فائدتها محدودة".
ويرى أن التقدم السريع للفصائل المسلحة "يذكّر بمدى ضعف النظام وربما اطمئنانه المفرط خلال الأعوام القليلة الماضية مع تراجع حدة المعارك".