زاد الاردن الاخباري -
قررت تشاد -يوم الجمعة الماضي- إلغاء اتفاقيات الدفاع المشترك مع فرنسا على نحو مفاجئ، وطلبت رحيل ألف جندي فرنسي متمركزين في قاعدة نجامينا العسكرية، وأكدت السنغال في اليوم ذاته عزمها إنهاء وجود الجيش الفرنسي على أراضيها، لتكتمل القطيعة أو تكاد بين باريس وشركائها الأفارقة السابقين بعد الانسحاب القسري من مالي وبوركينا فاسو والنيجر عام 2022.
هكذا لخصت صحيفة لوفيغارو -في تحقيق صحفي بقلم تانغي بيرتيميه ونيكولا باروت- حاولا فيه إلقاء الضوء على انهيار العلاقات بين فرنسا وأفريقيا، بعد أن بدت عام 2013 في أعلى مستوياتها.
واليوم بعد طلب تشاد وعزم السنغال على إنهاء وجود الجيش الفرنسي على أراضيهما، بعد طرده من مالي والنيجر وبوركينافاسو، فلم يبق إلا بضع مئات من القوات في الغابون وكوت ديفوار، وحتى في منطقة القرن الأفريقي التي كانت شبه مستعمرة حتى التسعينيات، يتعايش الجيش الفرنسي الآن مع وحدة أميركية كبيرة وقاعدة صينية ووجود ياباني.
رمز لخسارة النفوذ
وليست البصمة المتبقية للقوات الفرنسية اليوم في أفريقيا -حسب تحقيق الصحيفة- في الواقع سوى الرمز الأكثر وضوحا لخسارة النفوذ والهيبة في المستعمرات السابقة، بعد أن لم ير أحد عام 2013 في مالي علامات التحذير التي رآها جنرال من قوة سيرفال قال "إن الجيش الأجنبي دائما ما يتحول عاجلا أم آجلا إلى جيش احتلال في نظر الرأي العام".
عندما أطلق الفرنسيون عملية سرفال العسكرية في مالي اعتقدوا أن بإمكانهم شن حرب بمفردهم على الجماعات المسلحة في منطقة الساحل وهزيمتها، ولكن العقيد داكو الذي يقود الجيش المالي في الشمال، بدا منزعجا من عدم إبلاغه بالغارة على تمبكتو، كما أن مصير كيدال عاصمة الشمال أزعج الرأي العام.
غير أن الفرنسيين تجاهلوا إشارات الانزعاج هذه، وقالوا إن الجيوش لم تكن تملك كل أوراق حل الأزمات في منطقة الساحل، خاصة أن جذورها سياسية واقتصادية، كما تجاهلوا أيضا الأجيال، التي تريد في أفريقيا أكثر من أي مكان آخر تأكيد سيادتها.
توسع الصراع
ومع أن "الدرع" العسكري الفرنسي كان من المفترض أن يبعد المسلحين في أقصى الشمال، فقد بدأ يتصدع، وبدل أن ينحصر الصراع في مالي، امتد ليصل إلى النيجر ثم بوركينا فاسو، التي لا تخفي المعارضة فيها انتقادها للجيش الفرنسي.
وبدا الجيش الفرنسي متغلبا ولكنه اتضح في نفس الوقت أنه غير قادر على التغلب على الجماعات المسلحة، و"التفسير الوحيد لذلك بالنسبة لشريحة من السكان -كما يقول خبير في حرب المعلومات- هو أن فرنسا لا تريد حقا هزيمة الجهاديين"، مما زاد من الحملات المناهضة لها.
ومع انتخاب إيمانويل ماكرون عام 2017، أصبح الوضع سيئا مما دعا الرئيس الجديد إلى السفر إلى مالي ودعوة هيئة الأركان العامة الفرنسية إلى اتخاذ "نهج جديد"، كما أنه كان منزعجا من مماطلة الحكومات الأفريقية التي تقترب من فرنسا ولم تدرك الأخيرة أن هذه الدول بحاجة إلى الدعم.
شعور بالإهانة
ثم كان مقتل 13 جنديا فرنسيا في عملية بمالي عام 2019 بمثابة صدمة، أعلن على إثرها ماكرون عقد قمة مع شركاء فرنسا في منطقة الساحل، وقال في لهجة غير مناسبة "أتوقع من دول الساحل الخمس أن توضح وتضفي الطابع الرسمي على طلبها هل يريدون حضورنا؟".
ويشعر نظراء ماكرون الأفارقة بالإهانة عندما استدعاهم مثل المرؤوسين لكنهم لبوا الدعوة، وبعد بضعة أسابيع، أعلنت فرنسا عن "زيادة" في عدد القوات لمحاولة تحقيق تأثير عسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، ولكن الزيادة فشلت في هزيمة الجماعات المسلحة.