اختلفت الأقوال والآراء عن قصة المثل القائل : (على رأسه ريشه) وكانت الرواية الأرجح والأكثر شيوعاً وربما الأقرب إلى الصواب هي تلك القصة القائلة : ” حدثت سرقة لرجل مسن في قرية في الزمن الماضي حينما تلصص أحدهم على بيته وسرق من عنده دجاجه ، فذهب الرجل إلى شيخ القرية ، وكان رجلًا ذكيًا لديه من الفطنة والكياسة ما يعينه على حل المشكلات ، واشتكى له الرجل سرقة دجاجته ، وطلب منه أن يعيدها له... فجمع شيخ القرية أهلها وخطب فيهم ، وأخذ يتكلم عن السرقة وجزاء السارق ، فأخذ الناس يسبّون السارق وينعتونه بأسوأ الألفاظ ، ومنهم السارق نفسه لكي يبعد التهمة عنه كان يسب ، وسأل الناس الشيخ عن السارق وهل يعرف هويته أم لا ؟ فقال أنه يعرفه ، وهو حاضر معهم وواقف بينهم ، فأخذ الناس يتساءلون من هو ؟ فقال الشيخ هو من على رأسه ريشة ، حيث افترض الشيخ أن السارق نسي أن ينظف نفسه من بعض الريش العالق من الدجاجة أثناء سرقتها ، وهنا رفع السارق يده بشكل تلقائي ليتحسس الريش الذي على رأسه ، فعرفه الشيخ وأشار إليه وقال هذا هو السارق ، ومن حينها انطلقت تلك الجملة مثلًا تُضرب فيمن يخطئ ويشعر بانكشاف أمره.“ ...
لكن مع مرور الأيام أصبح هذا المثل دارج ويُطلق على من يريد أن يتميز عن غيره بكل شيء ... فمثلاً تكون مجموعة من الأشخاص تقف على باب مخبز القرية لشراء الخبز حسب الترتيب والدور، فجأة ينزل أحد الأشخاص من سيارته الحديثة ويحمل كرشه أمامه قائلاً للبائع : مَشّيني بخمس أرغفة خبز على المخدة متجاهلاً كل الحضور ... وفي المساء يدخل نفس الشخص (أبو كرش) على حَلّاق البلدة ويطلب منه أن يحلق رأسه مع عمل سكسوكة بسرعة ولا يكترث للزبائن الجالسين على الكراسي والذين ينتظرون دورهم ... ويكرر هذا الفعل في كل مكان، في مطعم القرية، والكازية، ومعصرة الزيتون، وفي المركز الصحي، و في كل المحافل والمناسبات، و في الدبكة والجوفية بده يكون على رأسها !!...حتى في بيوت الله لا يسلم الناس منه على قول : شَغّلوا المكيفات ، أقيموا الصلاة كل المساجد أقامتها ، ودائماً يزاحم على إمامة الصلاة وخذ لك القراءة المسعدة بجيب من الشرق وبحط بالغرب... فهذه الشخصية التي يحملها أبو كرش وأمثاله أدهى وأمّرّ من سارق الدجاجة التي عَلِقت على رأسه ريشه ...
نقول: لقد كانت الأمم البدائية تتفاضل فيما بينها بالقوة ، فإذا ارتقت تفاضلت بالعلم ، فإذا بلغت النهاية في الرقي تفاضلت بالأخلاق ....