يبدو أن التصريحات الخليجية حول انضمام الأردن لمنظومة دول الخليج العربي ، مقدمة لإلغاء موضوع الانضمام برمته ، أو تأجيله على أقل تقدير في الفترة الحالية حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، فيما يتعلق بما ستؤول إليه نتائج الثورات العربية في مصر وسوريا على أقل تقدير ، أو لعل هناك بعض المصالح الإقليمية التي تظهر في المستقبل تستدعي فتح ملف الانضمام مرة أخرى .
منذ البداية ونحن ندرك أن الخليج لن يقدم التسهيلات النوعية لانضمام الأردن أو أية دولة أخرى لا ترتدي الثوب والغترة من منطلق الجغرافيا والتاريخ المشترك ، وهذه حقيقة ندركها جيداً كأردنيين سوريين كما يسموننا خاصة ، والشعب الخليجي يعشق حق الكفالة ولا يقبل أن تهان حقوقه في هذا المكان ، فهي تعتبر مثل حق المواطنة والعيش والحياة الكريمة ، وهذه أول ما يعتبر عائق حقيقي أمام الانضمام ، بجانب حق التنقل والحرية في العمل والزواج من خليجيات.
الساسة والاقتصاديون الأردنيون انكبوا خلال الفترة الماضية على إقامة الندوات والمحاضرات التي تبين مزايا الانضمام للاتحاد ، وقاموا بتسويق الفكرة على أنها فرصة الحياة ، ويجب القبول بها دون مسلمات ، رغم أن ما عندنا ليس عندهم ، فالمال عصب الحياة بكل تأكيد ، ولكن ترى النظريات الاقتصادية دور التنظيم والإدارة الجيدة لهذا المورد ، وبدون ذلك لن يتحقق أي منفعة أو دور اقتصادي له النمو والتنمية .
أنا لا ألوم الخليج لأن المصالح العليا له ولشعبه ، أساس ومنطلقات تحدد التعامل مع أي دولة في العالم ، ورغم ذلك فإن ساساتنا العباقرة لم يكتشفوا ذلك ، واقتصاديينا من المسؤولين يعتقدون أن الانضمام للخليج العصا السحرية لتحويلنا إلى دولة متقدمة غنية .
التقارب الأردني القطري فيما يتعلق بحماس وزيارة مشعل للأردن، كانت جائزته الانضمام للخليج، واتخاذ موقف معادي من النظام السوري وتأييد العقوبات الاقتصادية كانت جائزته الانضمام للخليج وبدعم قطري ، وتخفيف نبرة قناة الجزيرة تجاه الأردن والأحداث التي تجري فيه، كان يقابله انضمام الأردن للخليج ، ولكن لم ننسى أن التحالف القطري الإسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن كوطن بديل وبدعم مباركة أمريكية ، وبعد كل ذلك نثق بقطر .
الاقتصاد الأردني والسياسة الخارجية الأردنية كلاهما ضائع ولا هوية لهما ، لأن من يقوم عليها يتعامل بها كملفات لحظية وليس لديه أي رؤية استراتيجية خاصة بهما توفر عناء الوقت والجهد في التعامل مع ملفات شبه محسومة ، فعلاقتنا بقطر لن ترقى إلى مستوى أكثر من علاقتنا بإثيوبيا أو نيبال أو بنغلاديش مهما كانت التفاهمات والمصالح الآنية المتعلقة بسوريا تحديداً ، وسوف تنقلب قطر على الأردن وتبيعها بأقل ثمن لقاء مصالح أخرى .
الساسة الأردنيين لن يدركوا أن سوريا الطبيعية هي العمق الحضاري والثقافي والسياسي ، وهي الأم الحنون التي تعطف وتحمي أبناءها مهما قسوا عليها ، والعودة إلى الحضن السوري ولا أقول النظام السوري أولوية قصوى تستدعي وجود تفاهمات من تحت الطاولة تنظر للمصالح الأردنية كمصالح عليا للدولة الأردنية ، وربما أقول نصيحة لوزارة العمل بأن استبدال العمالة المصرية في الأردن بالعمالة السورية " إن قبلوا بذلك" ضرورة ملحة في ظل اختلاف موازين القوى في سوق العمل المحلي وتفرد الأولى بشكل ملفت للنظر .