على مدار التاريخ، ظهرت مآسي إنسانية تهز الضمير العالمي، إلا أن هناك أحداثاً تبقى محفورة في الذاكرة لشدة فظاعتها، وأحد هذه الفصول السوداء هو ما جرى في مدينة حماة السورية عام 1982 ، تحت عنوان "مجزرة حماة"، حيث ارتكبت قوات نظام الأسد واحدة من أكثر الجرائم وحشية، و أُزهقت الأرواح، وانتهكت الكرامات، واغتُصبت النساء في بيوت الله نفسها ، تلك المجازر كانت علامة فارقة في سجل الإبادة والقمع، و لم يكتفِ النظام السوري بالقتل والتدمير، بل استهدف روح المدينة وإرثها الأخلاقي والديني ، وقد كانت للأسف
حماة في مرمى الطغيان ، و
بدأت مجزرة حماة في فبراير 1982 عندما قرر النظام السوري بقيادة حافظ الأسد ورفعت ، القضاء على انتفاضة شعبية عارمة قادها أهل المدينة الشرفاء ، حيث رأت السلطة في ثورة حماة تهديداً لوجودها، فقامت بتطويق المدينة بقوات عسكرية هائلة، مستخدمة المدفعيات والدبابات والطائرات ، وخلال 27 يوماً من القصف العنيف والحصار، تحولت المدينة إلى ساحة حرب مفتوحة، حيث استهدفت البيوت، المساجد، المستشفيات بلا رحمة ، وكان
الاغتصاب كسلاح حرب ، و انتهاك المساجد جرح في القلب والذاكرة ، ولعل هذا
من أبشع ما جرى في تلك المجازر هو استخدام الاغتصاب كسلاح لتحطيم الروح المعنوية لأهالي المدينة ، و لم تكتفِ قوات النظام باغتصاب النساء في منازلهن أو في الأزقة، بل تجاوزت حدود الإجرام إلى المساجد، أماكن العبادة والطمأنينة، حيث كان يتم اقتياد النساء داخل الجوامع، ويتم اغتصابهن تحت أصوات مكبرات الصوت، التي أُجبرت على بث تلك الجرائم لزرع الخوف والإذلال في نفوس أهل المدينة ، وهنا لا بد لنا من ذكر بعض من تفاصيل المجزرة التي امتدت 27 يوماً من الجحيم ، وعلى مدى 27 يوماً، ارتُكبت فظائع يندى لها الجبين الإنساني العالمي الذي ما زال لليوم صابراً على هذه العصابة الخبيثة المجرمة ، وقد قتل حينها الرجال بشكل جماعي ، فأُعدم آلاف الرجال ميدانياً، وألقيت جثثهم في المقابر الجماعية ، هذا عدا عن
تعذيب وقتل الأطفال ، نعم ، حتى براءة الطفولة لم تشفع ، وام تسلم من أجرامهم ، وتم العثور على رؤوس الأطفال معلقة على الأشجار، في مشهد يحكي وحشية لا مثيل لها ، أما عن اغتصاب النساء وقتلهن ، فحدث ولا حرج وقد تم اغتصاب مئات النساء والفتيات أمام ذويهن، قبل أن يُقتلن وتُلقى جثثهن في الحفر ،فضلا عن استهداف الجرحى ، حتى المستشفيات لم تسلم من بطش النظام، حيث تحولت إلى أماكن للإجهاز على الجرحى ، ولا ننسى تدمير المساجد والبيوت ، فأكثر من 60 جامع دُمِّرت بالكامل، فضلاً عن تدمير معظم المدينة بنسبة تجاوزت 75% ، نتحدث عن افضع انواع الإبادة الجماعية الصامتة ، والسبب ، تعتيم إعلامي كامل ، وقد حرص النظام السوري على فرض تعتيم إعلامي صارم لمنع تسرب الأخبار والصور عن المجزرة ، ولم تُترك أي وسيلة إعلامية لتوثيق الفظائع، مما جعل معاناة حماة تغيب عن أعين العالم لسنوات طويلة ، ومع ذلك فإن حماة ما زال فيها رجال ، وبعد انتهاء المجزرة، وفي يوم رفع حظر التجول، خرج أهالي حماة لصلاة الجمعة، ليظهر رفعت الأسد متفاخراً بإجرامه قائلاً: "لسا في رجال بحماة؟!! "، هذا قبل أن يأمر بإعدام خمسة آلاف رجل في مقبرة جماعية عرفت باسم مقبرة سريحين، في واحدة من أبشع عمليات الإعدام الجماعي في التاريخ الحديث ، ولكل من يقف مع بشار الأسد نقول : هذه مجزرة بلا عقاب ، وعلى الرغم من مرور عقود على مجزرة حماة، لم يحاسب أي من مرتكبي هذه الجرائم ، و ظل النظام السوري محصناً ضد المحاسبة، بينما بقيت حماة تحمل جراحها بصمت ،والأرقام المروعة للمجزرة تتحدث عن نفسها ، ولكم بعض منها :
أكثر من 40 ألف شهيد ، و
15 ألف مفقود ، وآلاف النساء المغتصبات ، وتدمير مدينة بأكملها ، ماذا نقول ؟!!
إرث حماة ، ألم لا ينسى وثورة لا تموت ، نعم يا سادة ، فمجزرة حماة ليست مجرد صفحة في تاريخ سوريا، بل هي جرح إنساني مفتوح يدمي في قلوب الإنسانيبن لأنه يعبر عن معاناة شعب بأكمله ، وقد أثبت أهالي حماة أنهم رمز للصمود والكرامة رغم محاولات الإبادة الجماعية البشعة ، واليوم، تستمر الثورة السورية كصوت للعدالة والحرية، حاملة إرث حماة والشهداء الذين سقطوا فيها ، وستبقى حماة، أيقونة الألم السوري ، فما جرى في حماة لا يشبه أي شيء آخر ، هو جرح عميق في ضمير الإنسانية، ودليل على بشاعة نظام لم يعرف للرحمة طريقاً ، لقد علمت حماة العالم أن الألم السوري ليس مجرد أرقام أو أخبار، بل قصة معاناة شعب عانى من أبشع الجرائم، وما زال يطالب بالعدالة والحرية ، كل ذلك وهناك من يجد مساحة للوقوف بجانب الطاغية ، لا بل واتهام الثوار بالإرهابيين ، أي إرهاب تتحدثون عنه ، وهل بقي بعد ذلك الإجرام من إرهاب يذكر ؟!! والذي نفسي بيده أن الإرهاب نفسه يذوب خجلاً أمام فضائع اغتصاب حرمة المساجد ، وجرح حماة الذي لا يندمل ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .