لطالما اعتُبر نظام بشار الأسد في سوريا واحداً من أكثر الأنظمة ثباتاً على الساحة السياسية في الشرق الأوسط، على الرغم من التحديات الهائلة التي واجهها منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، ولكن في ظل التطورات الأخيرة، بات من الواضح أن النظام يعيش أزمة قد تكون الأقسى في تاريخه، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرته على الاستمرار أو ما إذا كان يلفظ أنفاسه الأخيرة.
الأزمة الاقتصادية الخانقة
تعيش سوريا واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم، حيث فقدت العملة المحلية قيمتها بشكل كبير، وأصبح معظم السوريين غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية، ارتفاع معدلات الفقر والجوع، إلى جانب انهيار البنية التحتية، بات يشكل ضغطاً غير مسبوق على النظام، ورغم محاولاته المتكررة لتوجيه اللوم للعقوبات الدولية، إلا أن الفساد وسوء الإدارة لعبا دوراً جوهرياً في تفاقم هذه الأزمة.
تآكل الدعم الشعبي والقاعدة العسكرية
اعتمد نظام الأسد طويلاً على ولاء الطبقة الموالية له، وخاصة من داخل الجيش والأجهزة الأمنية. لكن في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، حتى هذه الفئات بدأت تعاني وتشكك في جدوى استمرار الولاء لنظام لا يقدم لها أي حلول، ظهور احتجاجات محدودة في مناطق كانت تعتبر موالية، مثل السويداء وبعض مناطق الساحل، يعكس بداية تصدع داخلي لا يمكن للنظام تجاهله.
ضغوط خارجية متزايدة
الدعم الروسي والإيراني، الذي كان يمثل الركيزة الأساسية لاستمرار الأسد، بدأ يشهد تحولاً ملحوظاً. روسيا، المنهمكة في الحرب الأوكرانية، قللت من تدخلها في سوريا بشكل كبير، في حين أن إيران تواجه تحديات داخلية وخارجية تجعل من الصعب عليها الاستمرار في تقديم نفس مستوى الدعم. إضافة إلى ذلك، تزايد الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية يجعل من الصعب على النظام إيجاد منفذ للتنفس.
سيناريوهات المستقبل
مع هذه الأزمات المتداخلة، يبدو أن نظام الأسد يواجه مفترق طرق خطير. استمرار الوضع الحالي دون حلول جذرية قد يؤدي إلى انهيار داخلي، سواء على شكل انتفاضة شعبية واسعة أو تصدعات عميقة في الأجهزة الأمنية والعسكرية. السيناريو الآخر قد يكون محاولة النظام تقديم تنازلات سياسية غير مسبوقة من أجل ضمان بقائه، ولكن هذا يعتمد على مدى استعداد القوى الدولية والإقليمية للتفاوض معه.
في النهاية، يمكن القول إن ما يشهده نظام بشار الأسد اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو انعكاس لسنوات من القمع والفساد وسوء الإدارة، وبينما يتساءل البعض عما إذا كان الأسد سيستطيع تجاوز هذه المحنة كما فعل في السابق، تشير الوقائع إلى أن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة ما لم تحدث معجزة تعيد إليه القدرة على الاستمرار .
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي