يبدو أن الصورة أصبحت مكشوفة، غزة ثم لبنان ثم سوريا، ماذا عن اليوم التالي، الدور على من؟ وظيفة الحرب هي صناعة الفوضى، وقد تحقق ذلك، وفي الأثناء تتحرك السياسة لإبرام الصفقات والتحالفات، وإعادة رسم خرائط النفوذ وتوزيع الأدوار وتغيير المعادلات، وترسيم الحدود من جديد.
نحن، في الأردن، جزء من هذا المشهد الملغوم، لا يكفي، فقط، أن نراقب أو ننتظر، لابد أن نفكر بعقلانيه وهدوء وتوازن، بلا انفعالات او عواطف، وأن نستعد لكافة السيناريوهات المتوقعة، من بوابة التنظيمات خرجت هذه الحرب ثم عادت إليها، لا نعرف حتى الآن الكثير عن اسرارها، لكن نعرف، تماما، أن تل أبيب ومن ورائها واشنطن والغرب تريد أن تُحكم قبضتها على المنطقة، وتفرض عليها أجنداتها، صحيح هنالك لاعبون في المنطقة جلسوا على الطاولة لتأمين مصالحهم، أو التقليل من خساراتهم، لكن الصحيح، أيضا، أن ما بعد 7 أكتوبر 2023 لن يكون كما قبله، أما كيف؟ فلا أحد يعرف، بالضبط، ما سيكون.
المهم، كيف نتصرف أردنيا للتعامل مع هذا الزلزال وارتداداته السريعة القادمة؟ أول ما يخطر إلى بالي ضرورة بناء جدار سياسي وأمني يمنع بروز أي تيارات أو تنظيمات داخل بلدنا، كل ما شاهدنا في البلدان التي تعمدت تل أبيب وحلفاؤها وضع أصابعها الآثمة فيها، حدث بذريعة مواجهة التنظيمات، أو استخدامها (كما حصل في سوريا ) للانقضاض على الدولة، او نشر الفوضى فيها، المطلوب، اذاً، ان نُعظّم قوة الدولة وحضورها ومنعتها، ونرفض بالمطلق «استيلاد» أي تنظيمات تحت أي اسم، لا مصلحة للأردن بإقامة احتفالات في ذكرى تأسيس تنظيم، أو التصفيق والتحشيد من أجل تأييد ميليشيا، الأردنيون جميعا يجب أن يتوحدوا على هدف وهو حماية الدولة الأردنية، والتطابق معها في الخطاب والموقف.
صحيح، ما يحدث في سوريا شأن داخلي، ( او هو صراع على سوريا وجزء من مخطط دولي يستهدف المنطقة كلها) من مصلحتنا أن نتعامل معه بمنطق (الحياد الإيجابي)، كما فعلنا في السنوات الماضية، لكنه بالتأكيد يشكل قلقا يستدعي الحذر والتحوط والانتباه، أخطر ما استجد فيه هو بروز التنظيمات المسلحة كلاعب مهم لتصفية الحسابات، وتوزيع الغنائم بين مختلف القوة الإقليمية والدولية، وهذه التنظيمات قد تستخدم لاحقا لتنفيذ وصفة تقسيم سوريا، ما يهمنا في الأردن أن نستدرك خطر امتدادات التطرف وتحريك خلاياه النائمة التي سبق ان واجهناها خلال الأعوام السابقة.
أكيد، هذا التطرف يحتاج إلى حواضن اجتماعية، ومنصات سياسية، وخطاب تحشيد ومظلوميات، هنا يجب أن ننتبه إلى المرجعيات التي تغذية، والفروع التي يمكن أن تساعده، أخشى أن أقول : ما زال داخل مجتمعنا، للأسف، خطابات ومواقف لأطراف معروفة نسمع هتافها في الشارع، يمكن أن تكون جزءا من هذه الفوضى التي يجري الترتيب لها دوليا وإقليميا.
تبقى مسألة أخرى مهمة وهي ترتيب الداخل الأردني لمواجهة أي مفاجآت قادمة، هنا اتساءل: هل يوجد لدينا طبقة سياسية وطنية كفؤة وموثوق بها، هل لدينا مصدات اجتماعية وإعلامية، هل تتمتع مؤسساتنا الوطنية بما يكفي من عافية، خاصة بعد ما شاهدناه في جلسة الثقة تحت القبة من خطابات مكررة لا ترتقي للخطر والتحديات التي نواجهها، هل الأحزاب في بلدنا جاهزة لممارسة دورها السياسي وقيادة الرأي العام، هل جبهتنا الداخلية موحدة لدرجة يمكن الاطمئنان إلى انسجامها خلف اي موقف للدولة؟
الإجابات تحتاج إلى حوار وطني عميق ؛ إدارات الدولة ونخب المجتمع تتحمل مسؤولية مصارحة الأردنيين، وبناء موقف أردني قوي يصب في مصلحة الأردن أولا، ويقطع الطريق أمام كل الأصوات التي تتحدث بالنيابة عن الآخرين، سواء أكانوا دولاً أو تنظيمات، الأردن في هذه المرحلة هو عنوان النقاش، ولا يجوز لأي طرف أن يأخذنا إلى أي عنوان آخر.