تُعتبر المواجهة بين حزب الله وإسرائيل جزءًا لا يتجزأ من معادلة الصراع في الشرق الأوسط، حيث يسعى كل طرف إلى تثبيت قواعد ردع متبادلة تعكس قوته وقدرته على فرض إرادته ، ومع ذلك، تبدو الحرب الأخيرة بمثابة محطة فارقة في مسار الحزب، حيث أضاع فرصة ذهبية لتعزيز مكانته وتحقيق انتصار رمزي يُضاف إلى سجل انتصاراته التاريخية، مثل حرب يوليو/تموز 2006 ، ففي الحروب، تتشكل الانتصارات ليس فقط بالعمليات العسكرية، بل أيضًا بإدارة الصراع سياسيًا وإعلاميًا ،وفي هذه الحرب، اختار حزب الله الخروج السريع من المعركة، متحملاً خسائر كبيرة في صفوف قياداته وبنيته التحتية، دون أن يستثمر في تحقيق إنجاز ميداني يثبت قدرته على الاستمرار كقوة ردع فاعلة ، مع انه كان بإمكان الحزب استدراج الجيش الإسرائيلي إلى مواجهات أكثر استنزافًا في الجنوب اللبناني، حيث يمكنه استخدام تكتيكاته الميدانية المعروفة، التي أثبتت جدواها في معارك مثل وادي الحجير وبنت جبيل ، ولكن ما حدث هو أن الحزب تخلّى عن رهانه على تحقيق انتصار ميداني قد يُغيّر من قواعد اللعبة، مثل أسر جنود أو تنفيذ عمليات نوعية في العمق الإسرائيلي ، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث ، والنتيجة أن الردع الذي بناه حزب الله على مدى العقدين الماضيين تعرض لاهتزاز، ينذر بسقوط مدوي ، ليس بسبب الخسائر المادية أو البشرية فحسب، بل لأن الحزب لم يقدم ما يكفي لإعادة تثبيت هذه المعادلة أمام جمهوره وأعدائه على حد سواء ، و الصورة التي خرجت بها إسرائيل ، أنها ومن خلال جيشها قادرة على الوصول إلى نهر الليطاني، مما يعيد تشكيل توازن القوة ، وبشكل يثير التساؤلات حول قدرة الحزب على إدارة الحروب المستقبلية بنفس الفاعلية التي عُرف بها ، ولعله من الواضح أن قرار الحزب لم يكن محض اختيار عسكري، بل جاء في سياق ضغوط سياسية متعددة الأبعاد ، داخليًا، يواجه حزب الله تحديات تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، مما قد يحد من قدرته على تحمل حرب طويلة الأمد ، وخارجيًا، هناك ضغوط إقليمية ودولية تهدف إلى تقويض نفوذه، وفرض قيود على تحركاته ، لكن هذا لا يعفي الحزب من مسؤولية عدم استغلال المعركة لتحقيق مكاسب استراتيجية، كان يمكن أن تُترجم لاحقًا إلى أوراق ضغط سياسية ، ومن بين الأمور التي أثارت الدهشة في هذه الحرب، هو غياب الخطوات التي طالما كانت جزءًا من استراتيجيات الحزب، مثل المطالبة بوقف إطلاق نار إنساني في غزة بالتزامن مع وقف إطلاق النار في لبنان، أو تنفيذ ضربات نوعية تثبت حضوره في المعركة ،وهذه الخطوات كانت ستضيف للحزب بعدًا إنسانيًا وسياسيًا، وتمنحه القدرة على المزاوجة بين الميدان والدبلوماسية ،
وفي تقديرنا أن الحرب الأخيرة تمثل اختبارًا حقيقيًا لاستراتيجية حزب الله في المرحلة المقبلة ، سيما وأن إعادة بناء الردع تتطلب مقاربة مختلفة، تشمل إعادة تقييم الأداء الميداني والسياسي، واستعادة ثقة الجمهور الذي كان يرى في الحزب درعًا حاميًا ويدًا ضاربة ، وصدم بعكس ذلك ، كذلك، فإن هذه الحرب تفتح المجال أمام تساؤلات أوسع حول مستقبل الصراع مع إسرائيل، وكيف يمكن لحزب الله أن يوازن بين الحفاظ على قوته العسكرية وبين مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية ؟!! وفي نهاية المطاف، قد تكون هذه الحرب فرصة لحزب الله لإعادة ترتيب أوراقه وتحسين استراتيجياته ، فالتحدي الأكبر ليس في الخروج من المعركة، بل في كيفية استثمارها لتثبيت معادلة ردع جديدة تُعيد للحزب دوره المحوري في الصراع الإقليمي ، والذي فقده ، أو على الأقل في طريقه لذلك ، فحزب الله الذي عرفناه قادر على تحويل التحديات إلى فرص، لكن الأمر يتطلب رؤية بعيدة المدى، تستند إلى فهم أعمق للمتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة ، ومثل هذا الأمر لا يقتضي التبعية لدول كما القطط التي تأكل ابنائها ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .