على مر العقود، شكّل حافظ الأسد رمزاً للسلطة المطلقة التي لا تردعها المبادئ ولا الحدود الأخلاقية ، وقد حكم سوريا بقبضة حديدية، مستخدماً أدوات القمع والتحالفات المشبوهة لترسيخ نفوذه، حتى لو كان ذلك على حساب الدماء العربية والقضية الفلسطينية ، وسجلّه حافل بالجرائم التي خلفت ندوباً عميقة في التاريخ العربي، وأصبحت دليلاً صارخاً على خيانة الأمانة الوطنية والقومية ، وأظهر حافظ الأسد ولاءً للمصالح الدولية على حساب القضايا العربية ، حيث أرسل جيشه لدعم الولايات المتحدة في حرب الخليج عام 1991، مساهماً في ضرب العراق، قلب العروبة النابض، وممزقاً النسيج القومي الذي كان من المفترض أن تكون سوريا أحد حراسه ، ولم يكتف الأسد بخيانة الفلسطينيين، بل حوّل سلاح جيشه ضدهم مراراً ، ففي حرب المخيمات عام 1988، سفك الدم الفلسطيني بلا هوادة ، وفي طرابلس عام 1983، حاصر الفلسطينيين وطردهم، في خطوة تؤكد تبعيته لأجندات خارجية ، وفي بيروت عام 1982، شارك في حصار الشعب الفلسطيني جنباً إلى جنب مع إسرائيل،وفي مجزرة تل الزعتر عام 1976، لم يتردد في ارتكاب واحدة من أبشع الجرائم ضد اللاجئين الفلسطينيين ، ولم تكن الجرائم مقتصرة على الفلسطينيين، فقد عانى الشعب السوري من مجازر دموية هزّت وجدان الإنسانية ، ففي عام 1982، دمّر الأسد مدينة حماه بالكامل، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف ، وفي عام 1980، ذبح المدنيين في جسر الشغور وحي المشارقة، تاركاً وراءه مجازر لا تمحى من الذاكرة ، و
في العام نفسه، أباد الآلاف من معتقلي سجن تدمر، في جريمة توثق وحشيته ضد كل من يعارضه ، وعرف عن حافظ الأسد انتهازيته السياسية وتحالفاته التي تتناقض مع أي رؤية قومية أو وطنية ، حيث
تحالف مع إيران ضد العراق خلال حرب الخليج الأولى (1980-1988)، مساهماً في تعميق الانقسامات داخل الأمة العربية ، وأجهض فرصة توحيد سوريا والعراق عام 1979، مفضلاً مؤامراته الشخصية على مصلحة الأمة ، لا بل و
أنقذ أتباع إسرائيل في لبنان عام 1976، مؤكداً خيانته الواضحة للقضية الفلسطينية ، وغدر بالجيش العراقي الذي أنقذ دمشق خلال حرب أكتوبر 1973، مانعاً تقدمه نحو فلسطين لتحريرها ،
وأبرزت حادثة سقوط الجولان عام 1967 الوجه الحقيقي لحافظ الأسد ، حين أعلن سقوط القنيطرة قبل احتلالها، في خطوة أظهرت نيته المبيتة للتفريط بالأرض السورية ، وقد وثّق التاريخ هذه الحادثة كدليل دامغ على تواطئه مع الأعداء ، فحافظ الأسد لم يكن مجرد دكتاتور محلي، بل تجسيداً لمشروع معادٍ للعروبة والقضايا الإنسانية ، وتبين مجازره الوحشية وتحالفاته المخزية ذلك بوضوح لا لبس فيه، تركا خلفه إرثاً مظلماً لا يزال يطارد سوريا والعالم العربي ، حيث كان نموذجاً للسلطة التي تسعى وراء مصالحها الضيقة، ولو على أنقاض شعبها وأمتها، وسيبقى اسمه شاهداً على مرحلة من أحلك فصول التاريخ العربي الحديث. ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي