يتصدر المشهد العربي اليوم مجموعة من التحولات المتسارعة، حيث تمتزج الصراعات الداخلية بالمخططات الإقليمية والدولية لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط سياسيًا واقتصاديًا وأيديولوجيًا. في قلب هذه التحولات، تلعب سوريا دورًا محوريًا باعتبارها ساحة للصراع الدولي والإقليمي، مع عودة الزخم العسكري للمعارضة السورية وسيطرتها على مدن رئيسية ومعابر حدودية. من جهة أخرى، يجد الأردن نفسه في موقع حساس، كخط دفاع أول أمام التداعيات المباشرة للأزمة السورية، وسط سياق إقليمي تشير معالمه إلى دور متعاظم للكيان الصهيوني في إدارة المنطقة اقتصاديًا وفكريًا ودينيًا.
ويواجه الأردن تحديات مزدوجة على الحدود وفي الداخل مع تصاعد العمليات العسكرية في سوريا، وتقدم المعارضة في السيطرة على المدن والمعابر الحدودية، يواجه الأردن مخاطر متزايدة تهدد استقراره الداخلي. معبر نصيب-جابر الحدودي، الذي يمثل شريانًا اقتصاديًا رئيسيًا للأردن، عاد إلى الواجهة كأحد النقاط الساخنة في الصراع السوري. السيطرة عليه من قبل المعارضة تعيد تشكيل الديناميات الاقتصادية بين البلدين، لكنها في الوقت نفسه تثير مخاوف الأردن الأمنية. تدفق المزيد من اللاجئين أو تسلل الجماعات المسلحة إلى الداخل الأردني يُعمّق من التحديات الأمنية التي تعاني منها البلاد.
اقتصاديًا، يعاني الأردن من أزمات خانقة بفعل تداعيات الحرب السورية، حيث تحمّل عبء استضافة أكثر من مليون لاجئ سوري، ما فاقم الضغط على موارده المحدودة. ومع تصاعد التوترات الإقليمية وتباطؤ الدعم الدولي، يجد الأردن نفسه أمام تحدي الحفاظ على استقراره الداخلي في ظل بيئة متقلبة تتسم بانعدام اليقين.
وفي سوريا صراع القوى الكبرى وإعادة رسم النفوذ
تقدم قوات المعارضة السورية يعيد خلط الأوراق في المشهد السوري، حيث تشتد المنافسة بين القوى الكبرى. روسيا، التي تمثل الداعم الرئيسي للنظام السوري، تسعى لترسيخ وجودها العسكري والسياسي في المنطقة عبر قواعدها الاستراتيجية في حميميم وطرطوس. بالنسبة لموسكو، سوريا ليست مجرد حليف، بل بوابة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، في مواجهة الغرب وفي ظل تخليها الان عن الشرق الاوسط وسوريا تحديدا وعن اطماعها يجعلنا نقف حائرين امام صمت عربي غير مقنع وغير مبرر.
على الجانب الآخر، إيران، التي تعتبر سوريا جزءًا لا يتجزأ من محور المقاومة، تعمل على تعزيز وجودها العسكري من خلال دعم الميليشيات الموالية للنظام السوري. طهران تسعى لضمان استمرار ممرها البري الممتد من العراق إلى لبنان، مما يعزز دورها الإقليمي. هذا التوسع الإيراني يثير قلق إسرائيل، التي كثفت من عملياتها العسكرية داخل سوريا، وكذلك الولايات المتحدة التي تنتهج سياسة احتواء النفوذ الإيراني عبر تحالفاتها مع القوات الكردية وبعض الفصائل المعارضة.
أما واشنطن، فتتبنى سياسة مزدوجة، حيث تدعم قوى المعارضة السورية لتحقيق توازن ضد النظام وحلفائه، بينما تركز على حماية مصالحها الاستراتيجية، خاصة في مناطق الشمال الشرقي الغنية بالنفط. هذه السياسة الأمريكية تفتح المجال لمزيد من التعقيد في المشهد السوري، حيث تبقى واشنطن لاعبًا غير مباشر لكنه مؤثر في ديناميات الصراع.
وإن إسرائيل اللاعب الخفي في إدارة المنطقة
وسط هذه الصراعات، يتصاعد الدور الإسرائيلي كقوة مؤثرة تسعى لإعادة تشكيل ملامح المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. إسرائيل، التي عززت علاقاتها مع عدد من الدول العربية تحت غطاء التطبيع، أصبحت أكثر جرأة في فرض نفسها كقوة إقليمية تقود عملية إعادة توزيع الأدوار في الشرق الأوسط.
على الصعيد الاقتصادي، تعمل إسرائيل على ترسيخ نفوذها من خلال مشاريع إقليمية كبرى، مثل ربط شبكة الطاقة والغاز مع دول الجوار، بما يضمن هيمنتها على مصادر الطاقة في المنطقة. التحالفات الاقتصادية التي تبنيها مع دول الخليج، خاصة في مجالات التكنولوجيا والزراعة والطاقة المتجددة، تعكس رؤية بعيدة المدى لجعل إسرائيل محورًا اقتصاديًا للمنطقة.
أما فكريًا ودينيًا، تسعى إسرائيل إلى تطويع الرؤى السياسية والثقافية في المنطقة عبر سياسات تهدف إلى إعادة صياغة الهوية الجماعية للشعوب العربية. الاتفاقيات الأخيرة مع بعض الدول العربية تتجاوز الجوانب الاقتصادية لتشمل أبعادًا ثقافية وفكرية تهدف إلى تقويض مركزية القضية الفلسطينية في الوعي العربي والإسلامي.
مسلسل إعادة توزيع الأدوار في المنطقة
في ظل هذه التحولات، يبدو أن المنطقة تتجه نحو توزيع جديد للأدوار بين القوى الإقليمية والدولية، مع تراجع الدور العربي التقليدي لصالح لاعبين جدد. دول الخليج، التي كانت تعتمد على مواقف تحفظية تاريخيًا، أصبحت أكثر انفتاحًا على التحالف مع إسرائيل لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية، خاصة في مواجهة إيران.
الأردن، الذي كان يتمتع بموقع استراتيجي كمحور للاستقرار الإقليمي، يجد نفسه الآن أمام تحديات تعيد رسم دوره. التنافس بين القوى الكبرى في سوريا، واندفاع الدول نحو التطبيع، يضع عمان في موقف حساس يتطلب إعادة تقييم استراتيجياتها للتعامل مع الواقع الجديد.
واخيرا اننا امام شرق أوسط جديد بيد إسرائيل
المشهد العربي اليوم يعكس تحولات كبرى تقودها قوى إقليمية ودولية لإعادة تشكيل المنطقة. الأزمة السورية، بتعقيداتها الميدانية والسياسية، تبقى النقطة الأكثر سخونة، حيث تتنافس روسيا وإيران والولايات المتحدة على النفوذ، بينما يتحمل الأردن عبء التداعيات المباشرة لهذه الصراعات.
في ظل هذه التحولات، يتصاعد الدور الإسرائيلي كقوة مهيمنة تدير المشهد من خلف الكواليس، عبر تعزيز نفوذها الاقتصادي والفكري والديني. مستقبل المنطقة يبدو مرهونًا بقدرة الدول العربية على مواجهة هذا الواقع الجديد، لكن في ظل التراجع العربي الجماعي والتسارع نحو التطبيع، يبدو أن المنطقة تدخل مرحلة جديدة عنوانها سيطرة إسرائيلية موسعة على مفاصل الاقتصاد والسياسة والثقافة، على حساب قضايا العرب المركزية ومستقبلهم المشترك.