بعيدا عن الاحتفالية بسقوط النظام السوري، فإن الواقع السياسي وذلك الميداني يحفلان بحسابات كثيرة بين عمان ودمشق، خصوصا، مع حدوث تطورات متسارعة كثيرة.
الجيش الإسرائيلي دمر أكثر من ثمانين بالمائة من سلاح الجيش السوري، من طائرات ومعدات ومختبرات ونفذ ما سماه الإسرائيليون أكبر عملية قصف بالطيران لما يزيد على 300 موقع سوري وفقا لآخر الأرقام، وتقدم في القنيطرة والجولان وجبل الشيخ، وقد يؤسس جيشا من خمسة وعشرين ألف شخص في منطقة الجولان من أبناء بعض المناطق السورية، وقد يقيم منطقة عازلة في جنوب سورية، وهو أيضا يخطط للاقتراب برا من دمشق ودرعا إذا اضطر لذلك.
هذا الوضع نجم عنه أمر آخر، أي تعرض مستودعات الجيش السوري في مناطق كثيرة للنهب، ولا نتحدث عن سيطرة الثورة السورية هنا، بل نتحدث عن تنظيمات عسكرية وجماعات على صلة بتجارة المخدرات في مناطق مختلفة، وتحديدا في جنوب سورية، وهذه الكميات الضخمة جدا من الذخيرة بات بعضها في يد جماعات خارج سيطرة النظام الوريث، بما يعني أن تجارة السلاح وتهريبه نحو الأردن، ستشتد بعد فترة قصيرة، كما ستعود تجارة المخدرات التي تمول بعض الجماعات والعصابات الإجرامية في مناطق الجنوب، خصوصا، أننا لم نسمع عن مداهمات واسعة لأوكار المخدرات في الجنوب، كون الثورة في بداياتها وبحاجة إلى وقت حتى تسيطر على الوضع، مع الانفلات الأمني الذي نراه في مواقع مختلفة، وتداعيات ذلك.
الأردن من ناحية رسمية أعلن أن للسوريين خياراتهم وحقهم في تقرير شؤونهم، وأبرق بلفتات طيبة مثل إرسال 200 طن من المساعدات إلى سورية، وفتح الحدود لتشجيع السوريين على العودة وقدم لهم التسهيلات، وهو هنا لديه علاقاته مع جماعات مختلفة مثل الجيش الحر وبعض قياداته، إضافة إلى العلاقات مع الامتداد العشائري والأمني في جنوب سورية.
لكن الأردن ليس اللاعب الوحيد، ويغلب على موقف الأردن اليوم الرصد والترقب في ظل معادلة سورية متحركة، وعدم حدوث اعتراف دولي وإقليمي حتى الآن بالنظام الوريث، وعدم وجود علاقات دبلوماسية كاملة بين الأردن وسورية، وهذا أمر سيعرقل الانفتاح السياسي على النظام الوريث، خصوصا، مع بدء الحديث عن سيطرة الجماعات الإسلامية على المشهد، برغم عدم مصادمة النظام الوريث لإسرائيل فيما فعلته بحق السوريين، ربما بذريعة تحسين الموقف للحصول على اعتراف أميركي وغربي.
الاعتراف الرسمي بالورثة بحاجة إلى عدة عناصر أبرزها نشوء جسم سوري مستقر معترف به إقليميا ودوليا، مع قدرته على ضبط الحدود، والتعاون في ملفات اللاجئين والمخدرات والسلاح، وعدم دخول سورية في صراعات تؤدي إلى التقسيم خصوصا على صعيد الأكراد والدروز.
كل هذا يفرض بطبيعة الحال استقراء الموقف، وحاجة الأردن إلى فتح بوابات جديدة لمساعدة عمان في الملف السوري، وخصوصا، تركيا التي تعد علاقات الأردن بها فاترة أساسا، وهي طرف رئيسي اليوم في إدارة الملف السوري، وما يرتبط بواشنطن التي لديها وجودها العسكري، وتسيطر على النفط، وتدعم الأكراد، وما يرتبط أيضا بجبهة العراق التي زار رئيس وزرائها الأردن في ظل مخاوف العراق الأمنية والسياسية حول الفترة المقبلة، ومع هذا تداخلات أنصار النظام القديم وهي ستظهر بشكل أعلى الفترة المقبلة بعد زوال الصدمة، مع تأثيرات الإيرانيين والروس، والجماعات المسلحة المنفلتة خارج ائتلاف الجماعات الحاكمة حاليا في دمشق.
قد يكون الأردن بحاجة إلى تطمينات من الورثة في دمشق لترتيب أوراقه بشأن اللاجئين والحدود وربما المساهمة بإعادة الإعمار، ومنع عودة التطرف إلى جوار الأردن مع وجود آلاف الأسماء المطلوبة للأردن امنيا من الأردنيين الذي انضموا لجبهة النصرة سابقا ولم يعودوا للأردن وربما باتوا طرفا في قوات النظام الوريث، وما يرتبط بوجود أسماء مطلوبة أردنياً على قضايا مخدرات وتم الحكم عليهم، مثلما أن الورثة يغرقون في ملفات ترهقهم، ويحتاجون لتطمينات بخصوص قبولهم من الأردن وعواصم عربية وأجنبية، بعد إعادة تأهيلهم.
هواجس الأردن الأمنية مع سورية أصبحت أكثر تعقيدا وستثبت الأيام وحدها إلى أين تتجه هذه العلاقات سياسيا، وجغرافياً، وكل شيء ما يزال تحت الاختبار حتى يثبت العكس.