الشطر الأول من عنوان مقالتي التي أكرسها ليس فقط لسورية العتيقة بل لكل المعنيين بمستقبلها، يتعلق بمصطلح شائع باللهجة السورية هو «التكويع»، ويقال في الذين لا يترددون في الانقلاب رأسا على عقب حتى وعلى أنفسهم مئة وثمانين درجة. لا ضير في ذلك إن كانت رجعة للأصول لا ردة عن الحق، طلبا للأمن أو الاسترزاق.
في الأكاديميا وربما في السياسة والإعلام، يؤثر الباحثون المحللون والمعلقون استخدام «الاستدارة» أو تدوير الزوايا عوضا عن كلام الناس واتهامهم بعضهم بعضا جزافا دونما النظر في عواقب الأمور، في ظل مرحلة انتقالية قد تكون محفوفة بمخاطر، لا تقل عنفا عن ستين عقدا ونيّف من الاستبداد الذي عاشته سوريانا، منذ زمن الانقلابات العسكرية التي قاد آخرها عام 1971 الرئيس الراحل حافظ الأسد، انقلابا سماه «حركة تصحيحية» ليعهد بعدها إلى وزير دفاعه الراحل مصطفى طلاس بتوريث حكم سورية الأسد والبعث «التقدمية» إلى وريث وارثه الأول المفترض، بطل الفروسية في رياضة ركوب الخيل باسل الأسد، إلى طبيب العيون الدكتور بشار حافظ الأسد، ربما لنيته هو الآخر لو بقي في الحكم توريثه لابنه الأكبر حافظ، لولا تخلي موسكو وطهران عن الرئيس السابق ونظامه.
أما «التبويع»، فذلك الذي قمت بقياس حال أتباعه بتقريع جماعات «التكويع»، فلكل مآربه الخاصة، وفيهم أكثر من «يعقوب»! ليسوا كما «اليعاقبة» في مدارس الفرق الدينية العتيقة في شرقنا المأزوم المكلوم منذ زمن بعيد، بل في الجماعات والفصائل والجيوش التي كانت لها «أصابع» كما قال يوما الرئيس المصري المخلوع الراحل محمد مرسي، قبيل سقوط نظامه بثورة شعبية دعمها جيش مصر البطل، تخليصا لمصر وإنقاذا لجوارها العربي وإقليمها في جناحيه الآسيوي والإفريقي، مما كان يعمل تحالف «الإخوان-أوباما» من تفعيله استكمالا لمشروع «الفوضى الخلّاقة» الهدامة الدامية إبان مستشارة الأمن القومي في عهد جورج بوش الابن، الدكتورة كونداليزا رايس.
في عتاب قد يصل إلى اللوم والتقريع، ينتقد الحكماء أولئك الذين يفتون دون علم، وتلك خطيئة إيمانية وخطأ سياسي كارثي. في العامية يقال في من أفتى عن جهل أو هوى بأنه «لا يعرف كوعه من بوعه» أي رسغه، ذلك المفصل الذي يضبط إيقاع حركات اليدين وأصابعها العشرة. تلك حالة يزداد خطرها انتشارا واستفحالا، عندما تتسرب السرديات الدعائية من منصات التواصل الاجتماعي إلى القنوات الفضائية. فيكون التكويع والتبويع ليس أكثر من «فشّة غل» وما كان الإعلام المصري -قديمه وحديثه- يصفها ب «الفرقعات» الإعلامية!
للأمانة، كثير مما يحكى عما جرى في سورية قبل سقوط النظام وبعده، لا يقف عند حدود فرار رئيس أو انهيار نظام بل ما هو أخطر ألا وهو سقوط سورية البلد والوطن والثقافة والحضارة، لا قدّر الله. كل كلمة تخرج من أفواهنا معلقة في رقابنا أمانة يحاسبنا عليها أبناؤنا وأحفادنا. ما بيننا وبين سوريانا صلة رحم، هم أخوالنا أو نحن أخوالهم. لا مكان للغرباء بيننا، أبدا..