القضية الفلسطينية كانت ولا تزال قضية تحرر وطني تسعى إلى استعادة الحقوق المسلوبة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. لكن في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على الساحة الفلسطينية، برزت مظاهر الاقتتال الداخلي، مما يثير تساؤلات حول انحراف البوصلة الوطنية عن القضية الأساسية. حاليًا، تشهد المناطق الفلسطينية تصعيدًا خطيرًا في بعض المناطق مثل مخيم جنين، نابلس، ورام الله. هذه المناطق التي كانت تاريخيًا مراكزًا للمقاومة الفلسطينية أصبحت تواجه نزاعات داخلية تعكس التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية.
في مخيم جنين، اشتدت الاشتباكات المسلحة بين قوى فلسطينية محلية، مما أسفر عن سقوط ضحايا وتصاعد التوترات مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يتدخل بعمليات عسكرية واسعة النطاق. أما في نابلس، فقد شهدت المدينة اضطرابات داخلية بين مجموعات مختلفة، مما أدى إلى حالة من انعدام الأمن وزيادة الضغوط على السكان المدنيين. وفي رام الله، تصاعدت الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات السلطة الفلسطينية بسبب تدهور الأوضاع المعيشية واستمرار غياب الإصلاحات الجادة، مما يعكس فقدان الثقة في المؤسسات الوطنية.
إن انعدام الأفق السياسي وتعثر المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي عمَّقا من الفراغ السياسي داخل الساحة الفلسطينية، وغياب أي استراتيجية وطنية موحدة أفسح المجال أمام التنافس الداخلي بين الفصائل والقوى السياسية. أضف إلى ذلك التدخلات الخارجية التي دعمت أطرافًا فلسطينية على حساب وحدة الصف الوطني. كما أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي تتسم بارتفاع معدلات البطالة والفقر، زادت من حدة التوترات وأدت إلى خلق بيئة خصبة للنزاعات.
الاقتتال الداخلي يُعد من أبرز مظاهر انحراف البوصلة الوطنية عن القضية الأم. بدلاً من توجيه الطاقات نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، تُستنزف الجهود في نزاعات داخلية تخدم الاحتلال بشكل غير مباشر. هذه الحالة تؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي الدولي للقضية الفلسطينية، إذ يُنظر إلى الفلسطينيين كأنهم غير قادرين على إدارة شؤونهم الداخلية. لذلك، من الضروري العمل على استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال خطوات جادة وفعالة.
أولًا، يجب إجراء انتخابات شاملة لتجديد الشرعية السياسية تشمل جميع المناطق الفلسطينية، بما فيها الضفة الغربية، غزة، والقدس.
ثانيًا، إطلاق حوار وطني شامل يجمع كافة الفصائل الفلسطينية لتوحيد الجهود والرؤى حول مواجهة الاحتلال. ثالثًا، تعزيز المقاومة الشعبية السلمية التي تحظى بدعم دولي واسع وتسلط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني. وأخيرًا، لا بد من محاربة الفساد داخل المؤسسات الفلسطينية لإعادة بناء الثقة بين القيادة والشعب.
الشعب الفلسطيني اليوم أمام مفترق طرق تاريخي؛ فإما أن يستعيد وحدته ويعيد توجيه طاقاته نحو تحقيق أهدافه الوطنية، أو يبقى أسيرًا للنزاعات الداخلية التي تخدم أعداءه. إن القضية الفلسطينية بحاجة ماسة إلى قيادة رشيدة وشعب متماسك يعيدان وضع القضية في صدارة المشهد الدولي، ويعملان على تحقيق الحلم الفلسطيني في الحرية والاستقلال.