التفاؤل بزوال نظام بشار الأسد الذي تسبب بتهديدات كبيرة لدول المنطقة، وبناء نظام مستقر في الجارة الشمالية يكون قادرا على بناء دولة لجميع مواطنيها، يبدو أنه حلم سابق لأوانه في ظل المعطيات الموجودة على الأرض، والتحديات التي يتوجب على الدولة الجديدة، وعلى دول المنطقة كذلك، مواجهتها.
إسرائيل، التي ساهمت إلى حد كبير في إنتاج الشرط التاريخي لنجاح الثورة السورية، سواء بقصدية أو من دون قصدية، تريد الاستفادة من الوضع الراهن، لذلك فهي لم تكتفِ بتنفيذ مئات الغارات الجوية التي دمرت خلالها مخزون الأسلحة السورية للنظام السوري السابق، بل سارعت، ومنذ سقوط نظام الأسد إلى دفع قطاعاتها العسكرية إلى المنطقة العازلة في الجولان السوري، ثم إلى المناطق السورية التي عرفت سابقا بـ"المحررة"، لتتقدم كذلك في الجنوب السوري، وتصبح على مقربة من العاصمة دمشق بصورة مقلقة.
في الجهة الأخرى، تقف تركيا التي تشعر أنها "صاحبة العرس"، وأنها هي من وضعت الخطط وأنضجتها لهزيمة نظام بشار الأسد، خصوصا أن التقارير تقول إنها تهيمن على صناعة القرار في النظام السوري الوليد، فهي كذلك تريد تحقيق استفادة قصوى من التغيير في جارتها، وتضع نصب عينيها المعضلة الدائمة لها، وهي التواجد الكردي المسلح على حدودها، والتهديدات الأمنية الدائمة لها جراء هذا الوجود.
في الأنباء المتسارعة، هناك ترجيح كبير أن تشن تركيا هجوما واسعا على المناطق الكردية، خصوصا بعد أن تمركزت قواتها قرب منطقة كوباني خلال الأيام الماضية، بما فيها المدفعية، ليبدو بدء توغل تلك القوات مسألة وقت لا غير.
الوساطة الأميركية بين الطرفين، حتى الآن، لا تنجح حتى الآن في نزع فتيل الأزمة، فتركيا، حسب بيان لقوات سورية الديمقراطية "قسد"، لم تقبل نقاطا أساسية للوساطة، خصوصا بند نقل مقاتلي مجلس منبج العسكري والمدنيين إلى مناطق آمنة في شمال وشرق سورية.
على ما يبدو، فإن تركيا مصرة على دفع الميليشيات الكردية شرق نهر الفرات، وقد تتقدم، سواء قوات تركية أو أخرى موالية لها، وصولا إلى كوباني. هذا الأمر يطرح سيناريوهات عديدة، خصوصا رد الفعل الأميركي والإسرائيلي تجاه سيناريو مثل هذا، وهل سيقف الطرفان متفرجين على دحر حليفهما الكردي، أم أن النزاع سيكون قابلا للتمدد بواسطة دعم مرجح من قبلهما.
إيران على الطرف الآخر، تشعر بأنها خسرت حليفا مهما في المنطقة، وأرضا كانت تعتبرها جزءا من خريطة الجمهورية الإسلامية، فقد كانت صاحبة القرار الأول فيها، ومثلت لها خط تواصل وإمداد من طهران إلى بيروت. اليوم تبدو طهران غير راضية بما آلت إليه الأمور، وبأنها تخرج خالية اليدين من المعادلة، لذلك فهي تسابق الزمن لتثبيت نجاح ما على الأرض، حتى لو كان عن طريق "مسمار جحا"، وهو المقامات الشيعية في سورية. لكنها تعلم أن الحكم الجديد غير معني كثير بإقامة اتصال معها، خصوصا باعتباره المنتصر في مواجهته الأخيرة معها، والذي قطع ذراعها وتركها محصورة جغرافيا في حدود العراق فقط. لكن هذه الحدود قد تكون قادرة على زعزعة الاستقرار في سورية، وهو ما يدركه الإيرانيون والسوريون، لذلك يبقى اشتعال أي نزاع رهينا بما ستؤول إليه سيناريوهات التقارب بين الطرفين.
الحديث عن عدم تجانس داخل الحكم السوري الجديد، أيضا، يمثل بعدا آخر لعدم الاستقرار، فهناك أنباء عن اختلاف كبير في منظور جماعات داخل هيئة تحرير الشام لمنظور الحكم الذي يجب أن يستقر قي سورية، وهناك من لا يريد أن يرى أي ملمح مدني أو علماني للحكم، بل يريدها خلافة إسلامية كاملة، لا على النهج التركي. خلاف كهذا قد يكون قادرا على فتح بوابة الجحيم، ليس على سورية فحسب، بل على المنطقة والعالم كذلك.
المنطقة تعيش على صفيح ساخن، ويبدو أن العقل وحده لن يكون قادرا على تجنيبها مصائر مدمرة، بل تحتاج إلى الحظ كذلك.