يشهد الشرق الأوسط تغيرات سريعة ومتلاحقة مشابهة للتساقط المتتالي لأحجار الدومينو. فمع كل حدث سياسي أو صراع جديد ينشب في أي منطقة في هذا المقطع الجغرافي المهم، ينعكس فوراً على الدول مجاورتها وما وراءها.
تتساقط أحجار الدومينو في هذه المنطقة مع تزايد التوترات والتغيرات السياسية والاقتصادية في الدول الكبرى والصغرى. فقضايا مثل نزاعات القوى في المنطقة، والملفات الاقتصادية مثل النفط والطاقة، والصراعات المذهبية والقومية تعد عوامل رئيسة في إشعال هذه التسقطات المتتالية.
في السنوات الماضية، كان الشرق الأوسط مسرحًا للثورات والاحتجاجات من مراكش إلى بيروت، مما زاد في معدل الضغوط التي قلما يمكن تجنبها. كل مشكلة محلية تتحول إلى معضلة إقليمية، وكل صراع داخلي قد يشعل صراعًا واسع نطاقه بالمنطقة. فالرعونة السياسية والصراعات المستمرة في دول مثل سوريا، وليبيا، واليمن، جعلت من المنطقة فريسة للفوضى والتساقط المستمر.
من أبرز المخاوف التي تتصاعد في المملكة هو احتمال وصول الإسلاميين إلى الحكم في بعض الدول المجاورة، وهو ما قد يؤثر بشكل مباشر على استقرار الأردن السياسي والاجتماعي.
الأردن، الذي يجاور دولًا مثل سوريا والعراق وفلسطين، يراقب عن كثب ما يحدث في هذه الدول، خاصة بعد صعود الحركات الإسلامية في المنطقة. فعلى سبيل المثال، سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر وتنامي نفوذ جماعات إسلامية متشددة في بعض المناطق قد يهدد استقرار الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط بشكل عام. وفي حال تأثير هذه التحولات على المملكة الأردنية، قد يؤدي ذلك إلى تعزيز القوى السياسية الإسلامية في البلاد، مما يشكل تحديًا أمام النظام الحاكم.
القلق الأكبر يكمن في أن وصول الإسلاميين إلى الحكم قد يغير مسار السياسة الداخلية والخارجية للأردن، ويؤثر على حقوق الإنسان والحريات المدنية. كما أن هذا التغيير قد يهدد علاقات الأردن مع الغرب، خاصة فيما يتعلق بمواقف المملكة من قضايا مثل السلام في الشرق الأوسط، حيث يعتبر الأردن لاعبًا رئيسيًا في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ورغم تلك المخاوف، إلا أن الأردن يبذل جهودًا كبيرة للمحافظة على استقراره. حيث يعمل على تعزيز تحالفاته مع الدول الغربية والعربية المعتدلة، بالإضافة إلى تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية داخلية للحفاظ على توازن القوى في الداخل. لا يزال الأردن يسعى لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين الظروف الاجتماعية لمواطنيه، وهو ما يساهم في الحد من تأثيرات التوترات الإقليمية على استقراره الداخلي.
وفي هذا السياق، يبقى مستقبل سوريا التي تشهد سقوطًا مدويًا لنظام بشار الأسد عبر مراحل مطولة من الصراع مثل قطعة مفصلية في سقوط الدومينو. ومع انهيار النظام، ينعكس مدى الفوضى مشرقًا وغربًا، مع الدور المنتظر على العراق لإسقاط النفوذ الإيراني، ومن ثم التوجه نحو اليمن للقضاء على الحوثيين. هذه المراحل المتتالية ستكون حاسمة في إعادة تشكيل خريطة المنطقة وفك التشابكات السياسية والعسكرية الحالية.
على الجانب الآخر، تبرز مسألة المصالحة المحتملة بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين كموضوع حساس يرتبط بتغيرات الأوضاع الداخلية والخارجية. منذ الإطاحة بحكم الجماعة في 2013، ساد القطيعة بين الطرفين، حيث صنّفت السلطات المصرية الإخوان كمنظمة إرهابية وشنت حملة واسعة ضدها. ومع ذلك، فإن الظروف الإقليمية الحالية، بما فيها الصراعات في السودان، وسقوط نظام بشار الاسد قد تُعيد ترتيب الأولويات السياسية، خاصة مع توجه دول كبرى نحو التهدئة الإقليمية ونجاح مصالحات مماثلة بين دول متنافسة، مثل السعودية وإيران وتركيا والإمارات.
سقوط "أحجار الدومينو" في السودان أو أي نظام إقليمي آخر قد يخلق فراغًا سياسيًا تخشى منه مصر ويعيد خلط الأوراق. وبالتالي، قد تجد القيادة المصرية نفسها مضطرة للتفكير في مسارات جديدة للتعامل مع جماعة الإخوان، سواء تحت ضغوط داخلية أو لتوازن إقليمي يفرض نفسه. إن الأحداث المتسارعة تُظهر أن المنطقة تقف على أعتاب تغييرات كبرى، قد تعيد تشكيل التحالفات، وتُجبر الأطراف المتصارعة على إيجاد حلول وسط، تضمن مصالحها وتخفف من حدة الصراعات المستمرة.