في منشور ساخر على الفيسبوك، كتب أحدهم أن جد عدنان ولينا – بطلا المسلسل الكرتوني الشهير من عام 1978 – وجدوه في دهاليز سجن صيدنايا!
ربما تحمل السخرية عبثية مريرة، لكنها تبقى أداة مواجهة للألم عندما لا نستطيع فهم ما يجري حولنا، فنبتسم ببلاهة، كأنما نستخدمها درعًا نفسيًا يحمي أرواحنا من الانكسار.
كانت سجون النظام السوري البائد من بين أقسى السجون على وجه الأرض. عشرات الآلاف قضوا فيها ظلمًا وقهرًا، ومن خرج منهم كان إما فاقدًا للذاكرة أو على حافة الجنون. ومع ذلك، وسط كل هذا الهرج المسرحي الذي لا ينتهي، يبدو أننا كدنا ننسى مأساة أخرى تشتعل بالقرب منا: غزة.
الجنون في غزة وسوريا: و لألم واحد
هل أبناء غزة اليوم أقل جنونًا من ضحايا سجون سوريا؟ ذاك الأب الذي اضطر لدفن طفله، بعدما قضى عمره يمنع ذرّات الرمل من الوصول إلى عينيه، ألا يفقده هذا الحزن عقله؟ وذلك الذي جمع أشلاء أسرته في كيس واحد، هل استطاع التمييز بين قدم طفله ويد زوجته؟ وهل شغله ذلك عن حزنه؟
العبثية التي تدفع بأهل غزة من مكان إلى مكان تحت وطأة القصف والدمار، أهي أقل وحشية مما جرى في زنازين بشار؟ أم أنها ذات القسوة بلون مختلف؟
: الشرق الأوسط في قلب الطوفان
منذ عملية "طوفان الأقصى" التي قادتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 ، تغيّرت معادلات الشرق الأوسط بشكل جذري. اختيار الاسم لم يكن عشوائيًا، فالأحداث التي تلت ذلك أشبه بموجات ارتدادية أطاحت بكل شيء. إسرائيل، بردّها المفرط والشامل، تعاملت مع القطاع وكأنه تهديد وجودي. مشهد "عصفور يُصاد بقذيفة مدفع" قد يبدو أقرب للخيال، لكنه اليوم حقيقة مأساوية.
تطورات متلاحقة: إعادة احتلال القطاع، محاولات القضاء على حزب الله، انسحاب إيران وميليشياتها من سوريا، تمدد العصابات المسلحة إلى دمشق، واحتلال إسرائيل لجبل الشيخ. تساؤل يفرض نفسه: هل كان هذا السيناريو مُعدًا مسبقًا، أم أن الصخرة تدحرجت بعبثية كما في أسطورة سيزيف؟
نتنياهو على قمة جبل الشيخ
على ارتفاع 2,814 مترًا فوق سطح البحر، يقف نتنياهو اليوم فوق جبل الشيخ، نقطة المراقبة الأهم على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. هذا الجبل الذي يطل على سوريا ولبنان والأردن، أصبح رمزًا للهيمنة الإسرائيلية في المنطقة. باستخدام أجهزة الاتصالات والتشويش المتطورة تراقب كل شيء من هناك، وكأنما يُعلن نتنياهو: "هذه قمة السيطرة"، كأنه زيوس الجديد على جبل الأولمب، يراقب العالم من علٍ، يطلق صواعقه متى شاء، ويقرر مصير من هم في الأسفل.
لكن، أين أمريكا من كل هذا؟ هل هي اليد الخفية التي تحرك خيوط الأحداث من وراء الكواليس؟ أم أنها اللاعب الذي وضع قواعد اللعبة وترك الميدان للحلفاء؟ تساؤلات تجعلنا نتساءل عن الدور الحقيقي الذي تلعبه في صياغة هذا المشهد العبثي.
العبثية التي تطوّقنا
في ظل كل هذا، يبقى السؤال قائمًا: هل ما نراه اليوم نتيجة أخطاء بشرية عابثة، أم أنه مخططٌ محكمٌ تنفذه قوى لا نعرف مداها؟ وهل نملك كأفراد أو شعوب القدرة على فهم ما يحدث؟ أم أننا عالقون في مشهد مسرحي حيث تتداخل السخرية مع المأساة، والدموع مع الابتسامات التي نخفي بها انكسارنا؟
واليوم، وقد نزع جبل الشيخ عمامته ووضع "اليارمولكا"، هل يصبح التطبيع مع إسرائيل – للدول العربية – ضرورة لتفادي مصير مشابه؟ أم أن المفاجآت القادمة ستعيد ترتيب المشهد؟
وماذا عن الفصائل المسلحة التي حلت محل نظام بشار الأسد؟ هل تُعدّ نفسها مشروعًا للسيطرة الإقليمية، تحمل مخططات تفاجئ بها دول الجوار؟ أم أنها أدوات جديدة في لعبة جيوسياسية تُدار من خلف الستار؟
أسئلة تبقى مفتوحة، تنتظر إجابتها على مسرح الأحداث الذي لا ينتهي.
سعيد ذياب سليم