تشهد الساحة الأردنية جدلًا متزايدًا حول الهوية الوطنية الأردنية وقضية التجنيس للفلسطينيين، في ظل محاولات البعض تأجيج الفتنة واستغلال هذا الملف لتحقيق أجندات مشبوهة. يعود أصل هذه القضية إلى قانون التجنيس الأردني الصادر عام 1949، والذي منح الفلسطينيين المقيمين في الضفتين الغربية والشرقية الجنسية الأردنية بموجب وحدة الضفتين. وفي عام 1954، تم تثبيت قانون الجنسية ليصبح الفلسطينيون في الأردن مواطنين أردنيين بحكم القانون، يتمتعون بكافة الحقوق والواجبات. هذا الواقع التاريخي جعل العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني نموذجًا للوحدة في مواجهة التحديات الإقليمية.
لكن في الآونة الأخيرة، برزت أصوات شاذة على مواقع التواصل الاجتماعي تسعى لاستغلال هذا الملف لبث الكراهية وزرع الانقسامات بين الأردنيين من أصول مختلفة. ابرز هذه العبارات تأسيس ولا تجنيس رقم وطني ولا رقم وثني علمك بنجمة ولا بدون متولين من الزحف باع ارضه تاجر بقضيتو , وعبارات اخرى كثيرة تدل على جهل المتحدث واجندته الفارغة وتحاول هذه الأصوات تصويرالاردنيين من أصل فلسطيني كتهديد للهوية الوطنية الأردنية، في حين أن الحقيقة تشير إلى أن الجميع يشكلون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني. ترافقت هذه المحاولات مع دعم من جهات خارجية عربية ودولية تهدف إلى الضغط على الأردن لقبول فكرة الوطن البديل كجزء من مخططات تصفية القضية الفلسطينية، عبر إسقاط حق العودة وتوطين اللاجئين الفلسطينيين.
على مر العقود، تعرض الأردن لضغوط كبيرة، سواء من قبل بعض الأنظمة العربية أو القوى الإقليمية، التي حاولت زعزعة استقراره لأغراض سياسية. لعب جمال عبد الناصر دورًا سلبيًا عبر التدخل في منظمة التحرير الفلسطينية وتحويلها إلى أداة لخدمة أجنداته الإقليمية، مما أضعف القرار الفلسطيني. كذلك، سعى حافظ الأسد إلى التدخل في الشأن الأردني خلال أحداث أيلول عام 1970، محاولًا استغلال الوضع لصالح طموحاته الإقليمية. هذه التدخلات كانت تهدف إلى إضعاف الأردن وتحويله إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، مما أثر على استقراره وأمنه.
ورغم هذه التحديات، يبقى حق العودة مطلبًا أساسيًا للفلسطينيين، تدعمه الدولة الاردنية بكافة اطيافها السياسية لكن هذا الحق يواجه عراقيل دولية وإسرائيلية، في ظل استمرار الاستيطان وغياب أي حلول عادلة. خيارات إقامة الدولة الفلسطينية تبدو أكثر تعقيدًا اليوم؛ فحل الدولتين بات شبه مستحيل، وخيار الدولة الواحدة يرفضه الإسرائيليون والفلسطينيون والاردنيون. في المقابل، تستمر الجهود لإضعاف الموقف الأردني والضغط عليه لقبول الحلول البديلة التي تتضمن توطين اللاجئين.
في ظل هذه التطورات، على السلطات الأردنية الأمنية المعنية التحرك بحزم لمواجهة محاولات تأجيج الفتنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تتفاقم الأمور وتؤثر على الاستقرار الوطني. الأصوات الشاذة التي تسعى لنشر الكراهية تستهدف تفكيك الوحدة الوطنية الأردنية، مما يتطلب موقفًا وطنيًا موحدًا لدحض هذه المحاولات. الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية لا يتعارض مع التزام الأردن بدوره التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، بل يعزز من قدرته على مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية. الوحدة الوطنية هي الركيزة الأساسية للتصدي لأي مخططات تهدف إلى زعزعة استقرار الأردن وتحويله إلى وطن بديل.