في مشهد تتكرر فصوله بلا نهاية، تبدو الإنسانية عاجزة عن تجاوز ضعفها وأزماتها المتلاحقة، تائهة بين أحلام السلام وكوابيس الحروب ، ولطالما تمنينا أن يكون عالمنا اليوم أكثر عدلاً ورأفة من ماضٍ مليء بالألم والدمار، لكن الحقيقة المُرّة تؤكد أن الحروب لا تزال المعيار الحاسم لوجود الإنسان على هذه الأرض ، سيما وأن العالم اليوم يعيش تحت وطأة الطغيان الإسرائيلي المدعوم بغطاء دولي يفاقم من مأساته ، هذه الغطرسة التي تحظى بتأمين أمريكي كامل باتت الوجه الحقيقي لنظام عالمي يتجاهل أصوات الضحايا الفلسطينيين ويغض الطرف عن مجازرهم اليومية ، وأمام هذا المشهد، تُسلب حقوق الشعوب المستضعفة، بينما يتم تبرير العدوان بذرائع زائفة عن "حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها" ، في ظل مشهد دولي تتلاعب به المصالح، تبدو الأمة العربية عاجزة، غارقة في صراعات داخلية وخارجية، تعيش حالة من التبعية التامة للقوى الكبرى التي لا تبالي بمصيرها ، فالسيادة العربية أصبحت مجرّد وهم، والطائرات الإسرائيلية تعربد في سماء المنطقة بلا رادع ، والقوانين التي وُجدت للدفاع عن حقوق الإنسان باتت أداة بيد القوى الكبرى لتبرير جرائمها ، وها هي الإبادة الجماعية التي تُمارس ضد الفلسطينيين تُقابل بصمت دولي يُفاقم من مأساة العدالة ، حيث أن قيمة الإنسان باتت تقاس بجنسيته أو عرقه ، فالضحية الإسرائيلية تُغلف بالحرير بينما تُترك الجثث الفلسطينية لتنهشها الكلاب في شوارع غزة وجباليا ، فليس السلاح وحده ما يقتل، بل الإعلام العالمي الذي يخضع لهيمنة القوى المهيمنة، مسخّر لتبرير العدوان وتشويه الحقيقة ، حتى الفكر الذي كان يُفترض أن يكون منارة للإنسانية، أصبح أداة تبريرية للجريمة، يبرر إرهاب الدولة بحجج واهية، والحال كذلك مع المفكرين المتحيزين الذين يدافعون عن إسرائيل بلا خجل ، والعالم الحر، كما يُطلق عليه، كشف عن وجهه الحقيقي ، نظام يرفض التطرف لكنه يدافع عن دولة تُمارس الإرهاب المنهجي ضد الفلسطينيين ، وسوريا الجريحة ليست استثناء، فكما تم تدميرها دون ردة فعل عالمية، تُمارَس ذات السياسة في الأراضي الفلسطينية، وسط تواطؤ دولي يُشرعن العدوان ، وبين الحروب والمجازر، يأتي الميلاد ليذكرنا بالسلام الذي نفتقده ، وسؤالي هنا : كيف لنا أن نحتفل بعالم أفضل ونحن نشهد يوميًا انهيار قيم الإنسانية؟! وربما يكون التفاؤل خيارنا الوحيد لمواجهة اليأس، لكن التفاؤل وحده لن يغير واقعًا تحكمه القوة والصمت ، لهذا على العالم أن يعيد النظر في مبادئه وقيمه ، لأننا إن لم نستطع إيقاف هذا الانحدار الأخلاقي، فإننا نسير نحو عصر جديد من الهمجية ،بالتالي يحتاج العالم إلى أصوات جريئة تواجه الطغيان، وتعيد للعدالة مكانتها وللإنسانية دورها ، فهل نمتلك الشجاعة للتغيير؟! أم سنبقى شهودًا على عصر يكرس الظلم؟! ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .