من بين المتداول في نقد "الموقف الأردني" في الموضوع السوري عبارة مجازية تعكس الكثير من المعاني وتقول: من الموجع أن يصل الإسمنت التركي إلى درعا وهي الأقرب لنا.
ببساطة، أنقرة تحركت مبكرا. لم توفر وقتا ولا جهدا في كل دوائرها السياسية والأمنية والاقتصادية والأهلية لهذا التحرك نحو سورية "الجديدة". مع الأخذ بعين الاعتبار أنها – حسب التسريبات- كانت مقر كواليس عملية إسقاط النظام نفسه.
في الموضوع السوري، هناك عناصر مشتركة بين الأردن وتركيا أولها الحدود المشتركة، تركيا من الشمال والأردن من الجنوب السوري. وأيضا حجم احتضان اللجوء الإنساني السوري ونوعيته الناعمة. والموقف السياسي من الثورة مع فارق نوعي في عملية "احتضان" الفصائل المعارضة.
نتفوق على تركيا " افتراضا طبعا" بالعلاقة مع السوريين من ناحية الهوية الثقافية الأقرب.
ومع تلك المزايا المشتركة مع حضور افتراضية تفضيل أردني للعلاقة فإن الإسمنت "والحضور" التركي كان الأوفر حظا في سورية الجديدة.. حتى الآن!
السياسة هي الجواب. فأنقرة فرضت نفسها لاعبا سياسيا إقليميا في الموضوع السوري
(والشرق أوسطي عموما حتى تخوم القرن الأفريقي)، ونحن كنا رهائن التردد السياسي وحصرنا خياراتنا بأحجار النرد أكثر من الحسابات الأكثر عمقا. طبعا مع تفهمي الكامل أن أنقرة لا تواجه ما يواجهه الأردن من استهدافات وتهديدات إقليمية سواء من شرقه أو غربه، تهديدات إيرانية "ما تزال حاضرة بدرجة أقل شرقا" وتهديدات إسرائيلية مقلقة ما تزال غربا.
زيارة وزير الخارجية "وهو نائب رئيس الوزراء أيضا" فتحت طريقا سالكا من عمان إلى دمشق، وهو طريق ينتظر سالكيه من عمان هذه المرة بدون "عباءات التأييد العبثية" بل بمبادرات اقتصادية وتجارية وعملية حقيقية تحقق مصالح الجميع بلا أي خسارات لأي أحد، وهو متطلب إجباري لشرق أوسط قادم وجديد تتم صياغته الآن بسرعة ومبني على العلاقات التكاملية، ومن زاوية أردنية فالجغرافيا تخبرنا أننا نقطة اتصال بين جيراننا السعوديين والسوريين أولا، ضمن سياق إقليمي قادم متصل لا منفصل يشبك شرق العالم بغربه.
لكن من متطلبات هذا الطريق السالك، أن تسنده وتعززه تشريعات جديدة تنهض بالقطاع الخاص والاستثمار المحلي والأجنبي "العربي خصوصا" مع مراجعة اتفاقيات ثنائية بين دمشق وعمان لتتناسب والأوضاع الجديدة التي لا هواجس فيها من "لؤم" النظام السابق.
الطريق السالك نحو دمشق يجب ألا يتوقف عندها كمحطة أخيرة، وربما علينا أن نواصل فتح الطريق نحو أنقرة وإعادة الحسابات من جديد ضمن رؤية مصلحية أردنية في تلك العلاقات وتنظيفها من مناكفات الماضي، فالمعطيات على الأرض تغيرت وتبدلت من حال إلى حال جديد، وهذا يتطلب رؤية سياسية أكثر موضوعية من كل الرؤى السابقة، وربما طبقة سياسية عميقة ومختلفة قادرة على حمل الرؤية الجديدة.