عندما تُريد جهة ما تمرير قرار أو إجراء مُعين أو سياسة ما، فإنها تلجأ إلى “ضخ” إشاعات أو معلومات حول الموضوع المنوي تنفيذه، أو على الأقل تحقيق نسبة من الأهداف التي وضعت من أجله، ثم تنتظر ردود الفعل من الرأي العام.
ففي حال كانت الأمور تماما، وردود الفعل عادية، ولا توجد عوائق أو آثار سلبية تترتب عليها، فإنها تلجأ إلى تطبيقه بحذافيره من غير أي نقصان.
وفي حال كانت هُناك ردود فعل عكسية، أو لنقل غير آتية على أهواء الجهة المعنية، فإن الأخيرة تُعيد طرح الموضوع أو القرار أو الإجراء بطريقة ثانية، وبأهداف أقل، وتُكرر هذه العملية، حتى يتم حصول المراد، وضمان عدم وجود آثار سلبية، قد لا يُمكن السيطرة عليها.. وهذا ما يُسمى في علم السياسة بنظرية النُظم.
الحُكومات المُتعاقبة، وكذلك جماعات المصالح والضغط، ورأس المال، كثيرًا ما تلجأ إلى نظرية النُظم تلك.. فالمُتتبع للقرارات والإجراءات التي اتخذت على مدى أعوام مضت، وخصوصا في الفترة الأخيرة، لا يحتاج إلى الكثير من الذكاء أو الفطنة أو الحنكة، لكي يخرج بنتيجة مفادها بأن المواطن الأردني، كانت تُطبق عليه تلك النظرية، لا بل وتؤتي أكلها في كل مرة كما أرادتها الجهة المعنية.
المُشكلة تكمن في أن مُعظم القرارات أو الإجراءات، التي اتخذت وفق نظرية النُظم، كانت ليست في صالح المواطن، حيث اكتوى بنيرانها هو وأفراد أُسرته، إلى درجة أنه بات يفيق في كثير من صباحاته على قرار يُنغص عليه حياته، ويقض عليه مضجعه، ويُذهب النوم من عينيه.
لن أقول بأن المواطن أصبح حقل تجارب، بل على العكس تمامًا، هو أصبح تُطبق عليه قرارات وإجراءات، باتت تُسبب له أرقًا وهموما وأحزانا، لا يعلم بها إلا ربّ العالمين.
فالمواطن أصبح بصعوبة بالغة بالكاد يستطيع أن يؤمن إيجار بيته الذي يقطنه وأفراد عائلته، أو القسط الشهري في حال لجأ إلى بنك من أجل امتلاك شقة صغيرة، تؤويه وفلذات كبده، هذا إذا كان أطفاله ما يزالون صغارا، لم يدخلوا المدرسة بعد، وفي حال كانوا في المراحل التعليمية، أكانت أساسية أم ثانوية أم جامعية، فعندها سيُعاني الأمرين، ويلهث، ويكاد يموت كدرًا، من أجل تأمين قسط مدرسي، أو دروس خصوصية لابن أو ابنة في مرحلة الثانوية العامة (التوجيهي).. وفي حال كان في الجامعة، فلك أن تتخيل عزيزي القارئ، كم هي درجات مُعاناة الأب، حتى يستطيع تأمين قسط جامعي، خصوصًا في ظل ارتفاع أسعار الساعات الجامعية المُعتمدة.
وما يزيد الطين بلة، ويزداد صعوبة، في حال تعرض أحد أفراد العائلة إلى وعكة صحية، يدخل على إثرها المُستشفى لعدة أيام، وتكون المُصيبة أعظم في حال كانت الحالة المرضية بحاجة إلى عملية جراحية، تكلفتها ليست في متناول اليد.
وهُنا يجلس المواطن ليندب حظه، ويضرب أخماس في أسداس، من أجل وضع خطة لتأمين مبلغ من المال يستطيع من خلاله التعامل مع الحالة المرضية تلك.