يتهيأ لبنان اليوم لتدشين مرحلة جديدة بعد عقود من سيطرة ثالوث؛ حزب الله ونظام الأسد وطهران.
عمل هذا الثالوث على تحطيم النخب السياسية والثقافية اللبنانية، وأشعل استقطابا هائلا داخل الساحة اللبنانية، لم تكن المصلحة الوطنية بوصلته في كثير من الأحيان، بل محاولات لإرضاء من يحكمون بيروت من الأغراب.
لعله من المبكر التكهن بعودة الاصطفافات إلى طبيعتها، إذ ما تزال هناك رواسب كثيرة، ومصالح لم تنته بعد، إضافة إلى أن الساحة السورية التي فرضت التغيير، هي الأخرى لم تستتب فيها الأمور بعد، وربما نشهد صراعا داميا إذا فشل الحكم الجديد في فرض سيطرته على المدن السورية، إذ يبدو أن متضرري الثورة السورية يحشدون قوتهم من جديد، ويضعون الخطط من أجل عدم السماح بالاستقرار والأمن في الجارة الشمالية.
فلول النظام السوري، وكما هم موجودون في سورية، فأيضا هناك الكثير منهم في لبنان، وفي مختلف الأماكن والوظائف. مع تصاعد الحرب الأهلية اللبنانية، وعلى وقع قمة الرياض الاستثنائية، في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1976، ثم قمة جامعة الدول العربية بالقاهرة، تم السماح بإدخال أكثر من 35 ألف جندي عربي إلى لبنان تحت اسم "قوات الردع العربية"، تتألف غالبيتهم العظمى من السوريين، وشيئا فشيئا انسحب العرب، ولم يتبق غير السوريين هناك.
ورغم أن المهمة الأساسية لهذه القوة العسكرية تمثلت في ردع الأطراف المتصارعة، إلا أن الجيش السوري وأجهزته الأمنية والاستخباراتية تورط في الصراع، فبدأ بدعم الميليشيات المارونية ضد منظمة التحرير الفلسطينية والقوى اليسارية، وخاض حروبا وصراعات على الساحة اللبنانية، وأسكت جميع الأصوات المناوئة، وصولا إلى ربطه بكثير من الاغتيالات التي جرى تنفيذها هناك.
كل ذلك جر على لبنان ويلات كثيرة، وأدخله في صراعات سياسية منعت من استقراره، كما فرضت عليه سياسات عديدة لم تكن من اختيار الشعب.
لكن، يبدو لبنان اليوم أمام فرصة تاريخية لاستعادة توازنه السياسي، خصوصا إذا استطاع انتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من الشهر المقبل. لا يمكن للمهمة أن توصف بأنها سهلة، فالتأثيرات الخارجية ما تزال تزعزع استقرار البلد، والاستقطابات السياسية لم تخفت بعد، والتأثير العربي أصابه الكثير من الضرر بعد سنوات من الهيمنة الأسدية الإيرانية. لكن اللبنانيين اليوم يشعرون بأن لديهم القوة الكافية لإنجاز هذه المهمة بعد أن تم تعطيلها لأكثر من عامين من الفراغ الرئاسي في أعقاب انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون.
اليوم يبدو حزب الله غير قادر وحده على إدامة تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، كما أن الفرقاء السياسيين وصلوا لقناعة أن الخراب الكبير الذي طال أوجه الحياة المختلفة في البلد ينبغي أن يصل إلى نهاية ما، وأن يبدأوا العمل معا للبناء.
هناك أسئلة لم تعد محرمة لا بد من طرحها لبنانيا وعربيا على حد سواء: من هو المرشح الرئاسي المفضل عربيا؟ وما مصير النفوذ السعودي وإمكانيات عودته؟ وهل ستصمد صيغة الطائف والمحاصصة السياسية في لبنان؟
يقف لبنان، ومعه العرب جميعهم، أمام مفترق طرق حقيقي. جملة الأسئلة تلك تعبير آخر عن السؤال الذي لا بد منه: هل في مقدور العرب اليوم استعادة لبنان بعد تعطل مشروع نظام الملالي في المنطقة؟