كتبت بعد سقوط النظام السوري تغريدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي قلت فيها إن ما بعد الأسد أسوأ من الأسد، فثارات ثائرة الغاضبين لأنهم ظنوا أنني أترحم على عهد الأسد.
لم تكن المقاربة هنا ترحما على الأسد، وكاتب هذه السطور وكثير من الأردنيين كنا ممنوعين من دخول سورية، لاعتبارات ليس هنا محل سردها، هذا فوق الجرائم التي رأيناها وكنا نعرفها مسبقا داخل سورية، والتي بدأت بذبح أربعين ألف سوري في حماة، ومرت بقتل الفلسطينيين واللبنانيين في لبنان، وما تعرض له الشعب السوري ذاته وتشريد الملايين وسرقة بيوتهم، وهتك أعراضهم، وقتلهم، وهي أفعال لا يمكن الدفاع عن صاحبها، حتى لو حاول كثيرون إقناعك أن الطريق إلى فلسطين تمر بكل هؤلاء الضحايا، تحت عنوان المقاومة وإدامتها وحمايتها.
لا نترحم على الأسد، ولا نتمنى أن يثبت البعض أن الشعب السوري لا يليق به أن يحكمه سوى هكذا طراز، لكننا كنا نؤشر على أن سورية سوف تحاول أطراف كثيرة اختطافها.
القصد من أن ما بعد الأسد أسوأ من الأسد، كان بسبب جملة عوامل، من أبرزها ما فعله الاحتلال الإسرائيلي من سرقة مئات الكيلومترات من جبل الشيخ والقنيطرة والجولان وصولا إلى درعا، وما ستقوم به أطراف متضررة من التغيير في سورية، من توليد حرب دينية ومذهبية وقد رأينا استثارة مكونات سورية المسيحية والعلوية وسنصل إلى ملفي الدروز والكرد، في ظل وضع اقتصادي منهار أصلا، حيث لم نسمع عن دولة عربية واحدة أعلنت نيتها مساعدة سورية اقتصاديا، ولم نسمع عن أي تصور لرفع العقوبات الاقتصادية، في ظل واقع مشحون.
السبب في ذلك أن هناك عدة أطراف تلعب داخل سورية، ولم تخرج تماما، أبرزها الجانب الإيراني، والأتراك، والروس، والأميركيون، والإسرائيليون، إضافة إلى جماعات النظام السابق، ومع هؤلاء تركيبة الحكم الجديد، والجماعات المتحالفة معه، والجماعات المتضررة منه أيضا.
كل القوى السابقة ستحاول بعثرة الداخل السوري، بوسائل مختلفة، من خلال أعمال الثأر داخل سورية، على خلفية ممارسات النظام السابق، والفروقات المذهبية والدينية التي ستولد حساسيات هائلة، ومن خلال المبالغة أمام أي عمل خاطئ من جانب أنصار الحكم الجديد والاستثمار فيه، وإثارة مخاوف المكونات السورية، بل واحتمال بث الفوضى الأمنية، والقتل، والتفجير بالسيارات المفخخة والاغتيالات، خصوصا، أننا نعرف أن قوى كثيرة لا تريد لأي نموذج إسلامي أن يحكم في سورية، حتى لو كان معدلا ومحسنا، وحاول تأهيل نفسه مع رغبات الأميركيين، ومغازلة الاسرائيليين، وهذا ما نراه من الحكم الجديد، الذي لا يصدقه الإسرائيليون ذاتهم، ويكرهه العرب سرا دون مجاهرة، حتى لا تنتقل عدوى التغيير الى المنطقة.
عمليات التثوير داخل سورية نراها بكل هذه الفيديوهات التي تنقل غضب المسيحيين، العلويين، وتهديدات الأكراد، وتغطي أيضا ملاحقات فلول النظام والاعتقال والتعذيب من باب رد الفعل على جرائم هؤلاء حين كانوا يتولون السلطة، والخلاصة هنا أن سورية معرضة لأخطار أكبر خلال الفترة المقبلة، خصوصا، إذا بدأت أجندات دولية وإقليمية داخل سورية، بالعمل لتدمير النموذج الجديد باعتبار أن إسقاط نظام قابل للتكرار في دول عربية ثانية، ويتوجب نسفه، حتى لا يفكر أي عربي آخر بتكرار ذات الفعلة، قياسا على مصر سابقا، وسورية حاليا.
يتوجب الصبر على الحكم الجديد، لكن الحكم يدخل حقلا للألغام، فقد تسلموا سورية وهي مدمرة مهمشة، لا اقتصاد ولا استقرار، وفوق هذا لم يعد لديهم جيش، ولا إمكانات مالية حتى الآن بدون دعم أو قروض، وهوية سورية الجديدة، لن يتم تركها لتتشكل دون أن تحاول قوى كثيرة فرض إرادتها، خصوصا، من يعتبر أن السوريين استبدلوا النفوذ الإيراني، بالنفوذ التركي، ومن يعتبر أيضا أن الوجه الإسلامي الملطف للحكم يخفي خلفه برنامجا مختلفا.
مرحلة ما بعد الأسد قد تكون أسوأ من الأسد، ليس ترحما على نظام سقط، وأفعاله معروفة التي وصلت حد اتهام الإنسان لمجرد الصلاة، بل لأن المخطط المقبل لسورية، بالتأكيد سيكون أسوأ لاعتبارات كثيرة، ويكفي تعداد القوى المتوجسة او المستفيدة اليوم لمعرفة كل السيناريوهات.
لا نترحم على الأسد، لكنه أورث السوريين دولة ملغمة بعشرات الألغام المدفونة والقابلة للانفجار، وهي ألغام قد تسعى قوى كثيرة لتفجيرها، لاعتباراتها الخاصة.