أيام وتدق ساعة انتصاف الليل معلنة ميلاد عام جديد. منذ توسّعَ البث المباشر عالميا صار المشاهدون شهود عيان -وإن عن بعد- لمواليد جماعية متتالية، كل حسب موقعه من خط غرنتش لبدء سنة جديدة، لكل منها ثقافة وتقاليد.
لم تعد المفرقعات الصوتية زاهية الألوان متفاوتة الأحجام والأشكال وحدها مظاهر الفرح بالمولود الجديد، وهو ليس بكرا على الأقل لمن صار واعيا بالوقت وعد الأيام والسنين. فالحياة مزدحمة بالأوقات ولكل ميقات مواسم تحكمها الطبيعة والقوانين أحيانا، والعادات والتقاليد أحيانا أخرى.
صارت الدرونات آخر صرعة للاحتفال بتلك الأضواء التي لا تنتهي مسيرتها بالفرقعه فخفوت اللون بعد الصوت وتحوله إلى دخان. باتت تلك المسيّرات قادرة على كتابة «كل عام وأنتم بخير» أو ما شابه بلغات عديدة.
وبحسب ثقافات الشعوب التي باتت في ظل العولمة متقاربة، ثم من يُعلي من أهمية العرّافين وهم دجالون وإن صدقوا وليسوا كذابين فقط. الدجل أخطر من الكذب كونه أطول أمدا وأفدح خطرا. لكن في الجانب المضيء من الشاشة، ثمة برامج ترفيهية لا تفرّط بالوعي أبدا، كون الإعلام في المقام الأول خدمة ورسالة. من أهم تلك البرامج التي تستطلع آراء الناس أو نواياهم فيما يخص العام الجديد. عادة ما يبدأ ذلك الحوار الاستفتائي الميداني أو عبر عينات مختارة بعناية في استوديو مفتوح بصحبة خبراء يفقهون ما يقولون، يبدأ الحوار بمراجعة ما مضى والاستعداد لما هو آت. ولا يقتصر الأمر على الجانب الشخصي بل الوطني والإنساني أيضا.
وفي هذا وذاك، لا تغيب حكمة الأمهات دام نورهن ورضاهن بمن فيهن اللواتي تفصلنا عنهن بحور الخغرافية الطبيعية أو السياسة، الحكمة القائلة بضرورة «التعزيل» في المرحلة الانتقالية من موسم إلى آخر. والمواسم أنواع منها الزمانيّ كتبدل الفصول وتقلّب السنين، ومنها المكانيّ كالاستعداد للرحيل من بيت إلى آخر أو عمل إلى آخر. الذهنية والروحية واحدة وهي حسن الإعداد قبل حسن الظن والاكتفاء بالتفاؤل بما هو قادم. «القادم أجمل» أمنّا استبشارا، لكن العمل كما الإيمان ما زال «ما وقر في القلب وصدّقه العمل» كما ورد في الحديث الشريف.
الحكمة تقتضي كما في عالم إدارة الأزمات: توقع الأسوأ والأمل بالأفضل. كلاهما بحاجة إلى عمل والهمة في الحالتين واحدة، عاااالية (مدودة ثلاثا) بعون الله دائما وأبدا.
فيما تبقّى من أيام السنة سأبدأ بالشق الأول، وهو مراجعة ما مضى من عام ليس بالضرورة شخصيا ولا حتى وطنيا أو إنسانيا، المراجعة الحقيقية قد لا تتطلب دائما المس بالخصوصية. قد يقول أحدهم ساءني في العام الماضي تذبذب أوضاعي المالية أو تردي أوضاعي الصحية، ويكون الخلل لا في هذا ولا في ذاك، قد يكون الأمر مجرد إعادة ضغط -ضبط- ذلك الزر المعروف عالميا ب «ريسِت ْ بَتِنْ» وهي بداية «التعزيل» وأهمه ذلك الذي يكون بأثر رجعي، تعزيل ما يثقل كواهل المدخّن مثلا ماليا وصحيا كالسيجارة وما يوازيها من كوارث انتحار بطيء واعتداء على الآخر عبر التدخين القسري حتى وإن كان إلكترونيا! فتلك الروائج الجذابة ما هي إلا سموم يتم من خلالها التغرير بالأطفال والمراهقين ومنها تم اصطياد الكثير من الأبرياء عبر تلويثها بسموم المخدرات في كثير من دول العالم ومنها الأكثر صرامة في الرقابة على «الدواء والغذاء» كما هو الحال في بلاد العم سام.
أولسنا مؤمنين -دينيا أو ثقافيا- بدعوة «الفاروق» عمر بن الخطاب «اعتزل ما يؤذيك»؟! قد قيل اعتزِلْ.. فعل أمر ونهي في آن واحد.. «اطفيها وارميها» بلغة جماعة الشعارات والهتافات والبكبات!!
لا أذيع سرا أني سمعت هنا في واشنطن بخبر لا أدري مدى صحته أو دقته يتحدث عن عقوبة مالية تهدف إلى حظر التدخين في الحرم الجامعي. الله أسأل أن يكتب لهذه الخطوة الريادية النجاح والتعميم. بها سنحقق إحدى حسنتين إما إقلاع عن التدخين فنكسب «أغلى ما نملك» وإما وقف للهدر وضبط النفقات على موازنات العلاج والرعاية والإعالة. وما من شيء يعدل الحياة، والأهم نوعية هذه الحياة التي نستحق ونتمناها لفلذات أكبادنا وأحفادنا. سنة خير بعون الله على الجميع.