آليت منذ السابع من أكتوبر للعام 2023، وصولاً إلى الثامن من كانون الأول لهذا العام، البحث عن الذات وهل ثمة حاجة للمراجعات، لقد حارت البوصلة حيرة الاتجاهات في عدم مقدرتها على تحديد مساراتها، حين توقف نبض العالم مع ساعات الصباح الأولى في السابع من أكتوبر، حينها كان يعاد تشكيل التاريخ والجغرافيا، فما بعد السابع من أكتوبر لن يكون كما هو قبله، وانتفى مفهوم النوم ليلاً وتغيّر طعم الأشياء وألوانها وأحجامها وغاياتها، لم نكن في حقيقة الأمر نمارس أكثر من ردات الفعل عبر مشاهد غاية في الفظاعة والبشاعة وانعدام الأخلاق والإنسانية، وجاء سؤال محدد حول مستقبل البشرية الأخلاقي والقانوني بعد أن تم استباحتها بالكامل دون وازع من ضمير ودون الخشية من محاسبة أومحاكمة أو مساءلة، فلم يعد كافياً إصدار قرارات مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو إصدار اتهامات من قبل محكمة العدل الدولية والجنائية الأممية، بحق مجرمين يمارسون كافة أنواع الجرائم الوحشية ضد الإنسانية وصولاً إلى الإدانة باقترافهم للتطهير العرقي والإبادة الجماعية. كل هذا لم يعد كافياً لوقف حمامات الدم وعبثية القتل الجماعي العشوائي، وممارسة التدمير الممنهج للبنية الاجتماعية والاقتصادية.
أي عالم متوحش بشع تسير إليه البشرية، عالم خال من أية قيم أخلاقية وضمير جمعي إنساني. عالم تسود فيه القوة والغطرسة والتعالي عن الأمم وفرض الهيمنة الإمبريالية، مع بزوغ واضح لنظرية « المليار الذهبي» الذي ينادي به البعض بأن الكرة الأرضية لا تحتاج لأكثر من مليار ساكن لها، وأن البقية أي السبعة مليارات هم فائض عن الحاجة وعن الوجود ولا داع لبقائهم، وينبغي التخلص منهم بكافة الطرق وفي مقدمتها الحروب وافتعال المعارك الدامية التي تحصد أكبر عدد ممكن منهم.
ها هي تمضي الأيام لنصل إلى 450 يوماً منذ السابع من أكتوبر ولم يتوقف النزف والقتل والتدمير والخراب والنفي والاعتقال وحرق المنازل وإلقاء الجثث في الطرقات كوجبات لكلاب الشوارع، لم تتوقف غريزة الانتقام وشهوة القتل.
أي عالم نعيش فيه، بعد أن ضاعت الحقوق وساد التغوّل والسطوة والعتّي. بعد أن أصبح صاحب الحق لا يمتلك حق المطالبة والدفاع عن نفسه وعن أرضه وعن شعبه. يريدوننا منبطحين مسالمين خانعين.
أما الثامن من كانون الأول الذي كنا نستذكر فيه ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي مثلت تحولاً جذرياً في مسار الثورة الفلسطينية وأصبح الحجر يمثّل رمزية خاصة للثورة الشعبية غير المسلحة، ليجيءالموعد هذا العام بإعلان سقوط تاريخي لعائلة الأسد في حكم سوريا وفرار بشار إلى روسيا كلاجئ إنساني وليس سياسي.
إنه مشهد سيؤرخه التاريخ وسيتبوأ صدر الوقائع في العصر الحديث باعتباره حدثاً مزلزلاً لم يكن وارداً أو متوقعاً من أي فرد أن تكون نهاية الأسد بهذه الطريقة.
ما بين السابع من أكتوبر والثامن من كانون الأول ثمة سرديات وحكايات وروايات لم تشهدها حياتنا الفعّالة عبر عقود من الزمان لم تخل من تحولات وأزمات وتوترات، لكنها في مجموعها كلها لا ترتقي إلى مستوى الزلزلة التي ما زلنا تحت تأثيرها في عام واحد.
في انتظار استلام ترامب للرئاسة الأمريكية، لا نتوقع الكثير من التفاؤل بما يتعلق بالمنطقة العربية عموماً، فهو لم يصدر عنه تصريح واحد يحترم فيه شعوب. وما زال في رعونة وهوج التهديدات وسوء المآلات، لكنه بالمقابل صدر عنه في كل تصريح دعم وتأييد غير محدود للكيان الصهيوني واعتبار ما يقوم به في غزة وأراضي الضفة ولبنان وسوريا مجرد وسائل دفاعية.
عالم يعاد تشكّله وتشكيله من جديد، ربما سابق لأوانه الحكم على المشهد الأخير والنهائي له في ظل وجود قوى رافضة للقطب الإمبريالي وتشمل الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا وغيرها من الدول التي قد تعمل على عكس الصورة الأمريكية تماماً. لنبقى نمثّل ردة الفعل بين هذا الطرف وتلك الأطراف.