الفرق كبير بين الذي يفهم دوره ووظيفته، والذي لا يفهمها فيلجأ لمزيد من الاستعراض، ليخفي ضعفه في القيام بهذا الدور، وأمس صباحا، وبتثاقل أصبح يلازمني كلما تصفحت الفيسبوك، مررت بإدراج لأحد الأصدقاء، يكتب تعليقا حول فيديو، وهذا الفيديو يتناول موضوعا يبين المفارقات الكبيرة التي أغرقت سوريا، وجوارها، والفيديو من إعداد وإنتاج أحد مقدمي المحتوى الأردنيين «حسب اعتقادي»، يتحدث خلاله عن «صناعة المخدرات في سوريا»، لكن من داخل أحد مصانع أو معامل انتاج هذه المخدرات، ولست أخفيكم سرا، بأنني وقبل سنوات، وحين بدأ بعضنا يذكر هذه المعلومة، وهي (أن هناك مصانع للمخدرات في سوريا، تديرها قوى تابعة للجيش السوري)، كنت أتعامل مع هذه المعلومة بحذر، ولم أصدقها بداية الأمر سيما وأنني كنت لا أستسيغ حديث ومعلومات وأغراض الذين كانوا يتحدثون عنها، لكن وبعد أن ضرب الإعصار سوريا، وانتهت تلك الحقبة التي امتدت عقودا، تسابق المستعرضون إليها، وما زالوا، وبالكاد أهتم فعلا بموضوع يقدمونه، فهو لا يقدم لي جديدا، لكنني أتحدث هنا عن الناس الذين يعرفون أدوارهم في وظائفهم أو المهن التي يجيدونها ويكسبون رزقهم من ممارستها، ولعل هذا الفيديو واحد من الأمثلة على ذلك، فهو وثق معلومة مهمة بالنسبة لي، وقدمه شخص موضوعي، لا علاقة تربطه بأية جهة سياسية او تجارية، وحاول تقديم محتوى مهم، وفعل، حيث قام بتصوير مصنع للمخدرات، فيه تجهيزات ومواد اولية، و»كميات من الحبوب المخدرة التي ينتجها المصنع»، وبغض النظر عن الجهة التي كانت تديره وتسوّق إنتاجه، فالمصنع موجود، وقام شخص عادي بالذهاب إليه وتصويره، ومن ناحيتي على الأقل، أصبحت المعلومة حاسمة، وكأنني أنا من ذهب وشاهد المصنع، وبهذا أتحدث يقينا بأن مصانع للمخدرات تم تدشينها في سوريا، منها ما تديره جهات سورية رسمية، ومنها ما تديره قوى سياسية معارضة، والآن تبادلت تلك القوى الأدوار.
ماذا بقي من المساحة لاتحدث عن اقتراح الدكتور النائب خميس عطية في إحدى جلسات مجلس النواب؟
د.خميس عطية نائب يجيد دوره، ويقدم ما ينفع الناس والدولة، وذلك مقارنة «بآخرين»، مع احترامي للذي يحترم الخبرة، ويتعامل بالمنطق.
يقترح الدكتور عطية على المجلس أن يقوم ومن خلال لجانه، وتحت القبة، بمناقشة تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان، وتقارير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، حيث يقول النائب بأن هذه التقارير تعرض دوما على مجالس النواب، لكن لا تجري مناقشتها تحت القبة، فقدّم اقتراحه بأن يتم تحويل تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى لجنة الحريات العامة وحقوق المواطنين النيابية، وتحويل تقارير هيئة النزاهة إلى لجنة مشتركة مكونة من لجنتي القانونية والإدارية، لمناقشة هذه الجهات حول تقاريرها..
هذا الاقتراح، الذي ربما لم نكن بحاجة له لو كانت مجالس النواب تقوم بدورها الفعلي، لكننا مطلوب منا ان نأخذ بهذا الاقتراح اليوم، فهو يجسد المصداقية في دولة تسعى دوما لتحديث وتطوير أدائها الديمقراطي والقانوني، فمجلس الرقابة والتشريع يجب أن يمارس دوره في هذه الجزئية، لأنها تقع في صلب اختصاصه، والغرض من وجوده.. وأضيف على اقتراح الدكتور خميس، أن يجري أيضا مراجعة التقارير الشهرية لديوان المحاسبة، ومتاقشتها «نيابيا»، بدل ان تقوم الحكومة «وحدها» بمناقشتها من خلال اللجنة التي يترأسها وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، ويشارك بها ديوان المحاسبة بعضوية أمينه العام، ونظرة سريعة هذه الأيام لوسائل الإعلام وتطبيقات التواصل الاجتماعي تبين حجم اهتمام الناس، وانتقاداتهم، وتأويلاتهم، وأفكارهم وإشاعاتهم حول بعض الملاحظات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة، فلماذا لا يجري إكمال هذا الجهد الحكومي، ومعالجته رقابيا في مجلسي النواب والأعيان، لنتحدث بعدها وبالفم الملآن بأننا نعيش في بلد يقدم جهودا واضحة في مجال احترام حقوق الإنسان، ومحاربة الفساد، وحماية المال العام.
نريد من مجلس النواب أدوارا رقابية وتشريعية وديمقراطية «كاملة»، وهذه الفكرة التي أفهمها من اقتراح النائب الدكتور عطية.