تفتقر أغلب دساتير الجمهوريات والملكيات العربية، باستثناء بعض الحالات ، إلى صياغة شاملة ومتكاملة تضمن حقوق النساء والأطفال بشكل فعال ومستدام ، وعلى الرغم من وجود نصوص تشير إلى التزام الدول بتعزيز مساواة المرأة بالرجل وضمان حقوق الطفل، إلا أن هذه النصوص غالباً ما تظل قاصرة أو مشروطة بأطر تقييدية تفتح باباً واسعاً للتمييز والانتهاك ، حيث تؤكد دساتير الدول العربية على التزامها بالمساواة بين المرأة والرجل في مجالات الحياة المختلفة، لكنها تقيد هذه المساواة بشروط مستمدة من "أحكام الشريعة الإسلامية" ، وهذه الصياغة الفضفاضة تُخضع المساواة الكاملة لقضايا خلافية تتراوح بين الزواج والطلاق والميراث، وتمتد إلى حقوق أساسية مثل حرية الحركة والعمل والسفر دون وصاية، والترشح للمناصب القيادية والتنفيذية ، فالمساواة الكاملة بين الجنسين ليست خياراً أو رفاهية، بل ضرورة لتحقيق مجتمع ديمقراطي حديث يقوم على أساس المواطنة الشاملة ، ولا يمكن لدولة مدنية أن تزدهر بينما تُقيَّد حقوق المرأة بقوانين تُفرض بحجة حماية النظام الأسري أو الالتزام بالموروث الثقافي والديني ، وتُظهر أغلبية الدساتير العربية انحيازاً واضحاً ضد المرأة من خلال حصر مسؤولية التوفيق بين العمل والواجبات الأسرية بها وحدها ، و هذه الرؤية تُلقي بعبء مزدوج على النساء، بينما تتجاهل ضرورة إشراك الرجل في المسؤوليات الأسرية باعتبارها واجباً تضامنياً ، وفي المقابل، تعترف العديد من الدول الديمقراطية بالعمل الأسري كجزء من العمل المجتمعي، ويمنح القائمين به حقوقاً متساوية تشمل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ، في حين تتضمن الدساتير العربية نصوصاً تنادي بحقوق الأطفال، مثل توفير التعليم والخدمات الصحية وحمايتهم من العمل القسري، لكنها تفتقر إلى تحديد واضح للسياق العمري للطفولة، الذي يجب أن يمتد حتى سن 18 عاماً ، كما تغفل الدساتير عن مواجهة الظواهر السلبية المنتشرة في المجتمعات العربية، مثل تسرب الأطفال من التعليم، وعمالة الأطفال، والعنف الأسري، والتشرد ، فضلاً عن أن
أطفال العرب يعانون من أزمات متداخلة تشمل الفقر، والأمية، والاستغلال، إضافة عن كونهم ضحايا لظواهر إجرامية مثل الاتجار بالبشر واستغلالهم في العمل أو بيع الأعضاء ، ورغم وجود نصوص قانونية في بعض البلدان تحظر هذه الجرائم، إلا أن غياب التنفيذ الفعلي وحماية الحقوق يجعل هذه النصوص عديمة الجدوى ،
أما الأطفال ذوو الإعاقة هم من بين الفئات الأكثر تهميشاً في العالم العربي، حيث تفتقر الدساتير إلى نصوص صريحة تلزم الدول بتوفير خدمات تعليمية وصحية ونفسية مناسبة لهم ، وبالمثل، تُهمل مواهب الأطفال الموهوبين في مجالات مثل الرياضة والفنون والعلوم، مما يحرم المجتمعات من الاستفادة من قدراتهم الكامنة ، ولا بد من التأكيد هنا على أن الدستور هو الإطار الذي يُنظِّم العلاقة بين الدولة ومواطنيها، وهو أساس بناء مجتمع عادل ومتقدم ، لذلك، فإن الانتقاص من حقوق النساء والأطفال، سواء بالنصوص التمييزية أو بإغفال حماية الحقوق، يشكل تهديداً مباشراً لبنية المجتمع الديمقراطي ، و
من الضروري أن تتبنى الدول العربية دساتير أكثر شمولاً وعدالة، تُقر بالمساواة الكاملة بين الجنسين دون تحايل أو قيود، وتضمن حقوق الأطفال بوضوح وفعالية ، فقط من خلال هذا الإطار الدستوري المتقدم يمكن بناء مجتمعات عصرية قادرة على مواجهة التحديات وتلبية تطلعات أجيال المستقبل . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .