في خضم الواقع السياسي المعقد الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ، تبرز القبضة الأمنية التي تمارسها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية كواحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل، تتباين الآراء حول هذه السياسات بين من يراها ضرورة لحفظ الأمن والنظام العام، ومن يعتبرها وسيلة لخدمة الكيان الصهيوني وتقويض مشروع التحرر الفلسطيني .
من منظور السلطة الفلسطينية، تمثل القبضة الأمنية حقا سيادياً ومشروعا لأي كيان سياسي يسعى لحفظ الاستقرار في مناطقه ، وايضاً يحد من تدخلات الكيان الصهيوني بذريعة مقاومة الإرهاب وتكرار سيناريو غزة .
تعاني الضفة الغربية من تحديات أمنية متعددة، تشمل النزاعات العشائرية، انتشار السلاح غير المرخص، والجريمة المنظمة، وفي ظل هذه الظروف، يُنظر إلى تعزيز القبضة الأمنية كوسيلة لضمان الأمن الداخلي وحماية حياة المواطنين .
تُبرر السلطة هذه السياسات على أنها خطوة ضرورية لإرساء نظام سياسي قادر على إدارة الدولة المستقبلية المنشودة، وتستند إلى الاتفاقيات الأمنية المنبثقة عن اتفاقية أوسلو، التي تلزمها بتوفير الاستقرار ومنع التصعيد الأمني الذي قد يهدد السلم في المنطقة، ومن هذا المنطلق، ترى السلطة أن تعزيز قبضتها الأمنية يساهم في تعزيز شرعيتها الدولية .
على الجانب الآخر، يبرز انتقاد عميق لهذه السياسات، حيث تُعتبر القبضة الأمنية جزءاً من منظومة أكبر تهدف إلى الحفاظ على أمن الاحتلال الإسرائيلي، وتتهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتنسيق مع إسرائيل فيما يُعرف بـ"التنسيق الأمني"، وهو ما يعتبره كثيرون طعنة في ظهر المقاومة الفلسطينية .
يرى المعارضون أن القبضة الأمنية لا تستهدف فقط الحد من الفوضى الداخلية، بل تعمل بشكل رئيسي على ملاحقة عناصر المقاومة ومصادرة السلاح الذي يمكن استخدامه ضد الاحتلال، ويعزز هذا الرأي وجود عمليات اعتقال واسعة بحق ناشطين ومقاتلين فلسطينيين، تُنفذها الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت مظلة التنسيق الأمني مع إسرائيل، بالنسبة لهؤلاء، فإن هذه السياسات تُضعف النسيج الوطني وتُعيق جهود التحرر، بينما تعزز من سيطرة الاحتلال على الأرض والشعب .
معضلة التوازن
تواجه السلطة الفلسطينية معضلة صعبة: كيف تحافظ على توازن دقيق بين التزاماتها الأمنية بموجب الاتفاقيات الدولية وبين دعم المقاومة الشعبية لمواجهة الاحتلال ؟ لا شك أن الأمن الداخلي ضروري، لكن طريقة تطبيقه تطرح تساؤلات أخلاقية وسياسية .
هل يمكن للسلطة أن توازن بين متطلبات النظام العام وواجباتها الوطنية تجاه شعبها ؟ أم أن هذه السياسات ستظل دائماً موضع شك واتهام ؟
في النهاية، تبقى القبضة الأمنية في الضفة الغربية قضية حساسة تعكس التناقضات العميقة التي يعيشها المشروع الوطني الفلسطيني، وبينما يرى البعض فيها وسيلة لبناء مؤسسات دولة مستقرة، يعتبرها آخرون امتداداً لمنظومة الهيمنة الإسرائيلية، وربما يكون الحل في تعزيز الوحدة الوطنية، وإعادة صياغة العقيدة الأمنية بما يحقق التوازن بين حماية المواطنين ودعم مشروع التحرر، بعيداً عن أي إملاءات خارجية .
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي