مكاور مادبا قصة الإيمان والمأساة

قلعة مكاور، المعروف أيضًا باسم قلعة مكاريوس، هو موقع ذو أهمية تاريخية ودينية كبيرة. يتربع على قمة تلٍ وعِرٍ مطلٍ على البحر الميت، ليكون شاهدًا على أحداث شكّلت المشهد السياسي في زمانها، ونسجت رواية روحية تركت بصمتها على تاريخ المسيحية. هذا الموقع يجمع بين روعة العمارة، وأهمية الموقع الاستراتيجية، وإحدى أبرز الحكايات في الكتاب المقدس.

بُنيت القلعة في الأصل خلال العصر الحشموني حوالي عام 90 قبل الميلاد على يد الملك ألكسندر جانيوس الذي أدرك قيمتها الاستراتيجية، كما يشير المؤرخون، ولعبت القلعة دورًا في صد التهديدات الشرقية، وخاصة من الأنباط، وكانت حلقة مهمة في سلسلة التحصينات التي تحمي فلسطين وسوريا (يهودا).

وبحسب الجمعية الأثرية التوراتية، قام هيرودس الكبير بتجديد مكاور عام 20 قبل الميلاد، وحوّلها إلى قصر ملكي. أضاف إليها حمامات على الطراز الروماني، وحديقة صغيرة، وفناءً فخمًا محاطًا بالأعمدة. ومن ارتفاعات مكاور، كانت إشارات الدخان تُرسل لتحذير القدس والحصون الأخرى من الأخطار القادمة، مما عزز دورها كحارس للمنطقة.

لكن شهرة مكاور تتجاوز أهميتها العسكرية والمعمارية، فهي ترتبط بشكل لا ينفصل بقصة يوحنا المعمدان، الذي تركت حياته وموته أثرًا لا يُمحى في التاريخ المسيحي.

في كتاب «الاردن جغرافيا وتاريخ» لمؤلفه حيدر هلسا أشار بأن اسم «مكاور» لم يرد في الكتاب المقدس، لكن ذكرت حادثة قطع رأس يوحنا المعمدان في عهده الجديد. ففي إنجيل متى وإنجيل مرقس، ذكر بأن هيرودس أنتيباس، حاكم الجليل قد استخدم مكاور كحصن سياسي وعسكري. كان يوحنا المعمدان ينتقد علنًا زواج هيرودس من هيروديا، زوجة أخيه، مما جعله يُعتبر تهديدًا. وقد أثارت هيروديا الغضب بسبب اعتراض يوحنا، فسعت إلى التخلص منه.

سُجن يوحنا في المدينة السفلى لمكاور بحسب المؤرخ الروماني يوسيفوس ، وذكر الكتاب المقدس بأن مصير يوحنا المعمدان قد حُسم أثناء مأدبة فاخرة أقيمت في فناء القصر الكبير. خلال تلك المأدبة، أدّت سالومي، ابنة هيروديا، رقصة أسرت هيرودس وضيوفه، فتعهد بمنحها ما تطلب. و بتحريض من والدتها، طلبت رأس يوحنا المعمدان. وتحت وطأة قسمه العلني، أصدر هيرودس أمرًا بتنفيذ الإعدام . وبحسب المؤرخ، قُطع رأس يوحنا في زنزانات مكاور، مما جعل القلعة موقعًا للشهادة وأهمية روحية.

وفقًا لعالم الآثار والمعماري المَجري غيوزا فوروش، فقد كشفت الحفريات في مكاور عن طبقات من تاريخها الغني، فقد أظهرت التنقيبات مخطط قصر هيرودس، بما في ذلك الفناء الذي رقصت فيه سالومي. كما عُثر على الزنزانات التي يُعتقد أن يوحنا سُجن فيها، مما يربط الموقع بالسرد الكتابي. وشملت الاكتشافات الأخرى التحصينات، والفسيفساء الرومانية، وخزانًا حشمونيًا، الأمر الذي رسم صورة حية لعظمة القلعة.

قبل عامين، وبالتحديد في 2023 تشرفت بتكليف من وزارة السياحة بأن أكون الناطق الاعلامي الرسمي باسم هذا الموقع التاريخي المميز، الذي سيجده الزائر اليوم يقف كأطلالٍ تعصف بها الرياح، لكنه يبقى رمزًا للصمود والإيمان، وإن سرت بين حجارة القلقة ، سيأخذك المكان إلى زمن فيه رويت رواية من الإيمان والقوة والتضحية، رواية ما زالت تلهم الكثيرين.

---