تتأسس الأنظمة العربية وبعد عقود من الحكم، تواصل التمييز والبطش والفساد وتصنيف المواطنين، وفرزهم إلى طبقات، ثم تأتي لحظة الانهيار لكل بناء هش.
الدول العربية مكونة مثل كل دول العالم، من كتل اجتماعية منوعة، على صعيد الدين، والمذهب، والعرق، ويمتد التنوع إلى الجانب الاقتصادي، حيث هناك أغنياء، وفقراء، وطبقات وسطى، ومع هذا قد تسود أنظمة من أنواع مختلفة، شمولية، ومستبدة، أو مستقرة ومقبولة، أو ظالمة في بعض الحالات، أو أنظمة لديها مشاريع حزبية أو أيديولوجية، أو تركز على الرفاه، وفي السياق ذاته قد يسود العدل والقانون وتساوي الفرص، وقد لا يسودان، وتتفشى المظالم المعلنة، أو المستترة في الرماد.
لكن العالم العربي، غير مستقر من حيث التركيبة المستقبلية، وعلى ما يبدو أن الميل نحو التقسيم، يزداد قوة، سواء التقسيم الكامل، بحيث تلد الدولة الواحدة أكثر من دولة، أو يأتي الحل الأقل ضررا أي الفيدرالية، بمعنى أن لكل إقليم فيدرالي قوانينه، وأنظمته، ويرتبط بالمركز وفقا لتصور محدد، يتم التوافق عليه في تلك الدولة.
بسبب المظالم وشيوع الطبقية الاقتصادية، وتقريب فئات وإبعاد فئات، وشيوع الفساد، وسفك الدم كما في النموذج السوري مثلا، تتحول سورية إلى نموذج مؤهل للفدرلةـ حتى لا نقول التقسيم المباشر وتوليد دويلات، ونلاحظ كلنا أن الذين يخططون للمنطقة، لديهم القدرة على تثوير الحساسيات، وإثارة النفور الوطني بين أبناء بلد واحد، كما في ذات النموذج، والمفارقة هنا أن سورية مثلا، في عهد الأسد واجهت هجرة أكثر من 11 مليون سوري أغلبهم من السنة، فيما الحكم الجديد يجابه اليوم بموجة احتجاجات من مكونات ثانية تعتبر أن توقيت حساب اصطفافها مع نظام ظالم بات وشيكا على يد السنة، وفي ظل التثوير الديني والمذهبي والعرقي، واستثمار قوى في هذا التثوير يصير التقسيم الكلي هو الحل لسورية، وإلا التقسيم الناعم، من خلال الفيدرالية، فمن نتهم هنا؟ نظام ظالم أوصلنا إلى هذه النتيجة، أم عدم إدراك الشعوب لكلفة إحساس بعض طبقاتها أنها أفضل من غيرها كما في ثنائية العلويين- السنة؟ وحين تنقلب المعادلة لا تسمع إلى الصياح والضجيج والقلق والولولة.
رأينا في تجارب العراق، واليمن، وليبيا، والسودان، انقسامات حادة لاعتبارات الصراع السياسي، وتكريس الانقسام الوجداني الذي يقود الى الانقسام الفعلي، ولا يمكن إلا أن يقال إن أغلب الدول العربية باتت تقبل القسمة على اثنين، وأكثر، بسبب التراكمات، وظلم بعض الأنظمة، وتورط الشعوب ذاتها في تصنيف المنتمين إلى ذات الهوية، مع ما يمثله التخطيط الأجنبي من سعي لتقسيم الدول العربية، على أسس مختلفة، خصوصا، إذا تحدثنا من جهة ثانية، عن بعض المظالم التي تتعرض لها الأقليات الدينية أو العرقية أو المذهبية، حيث تعبير الأقليات في العالم العربي، لغم مخفي لتثوير هذه المجتمعات، بعد أن تم فرزها بشكل وقح إلى أكثرية وأقلية دون احترام للمواطنة التي يتوجب أن تكون هي العنصر المشترك الذي ينطق باسم الجميع.
كثيرون ضد التقسيم، وضد انشطار الدول، وتوليد دول طائفية وعرقية ودينية، من أصل دول كبيرة وممتدة لأن هذا المشروع لا يمكن أن يكون وطنيا، لكننا أيضا ضد الدوس على الشعوب بذريعة تعزيز الهوية الداخلية، ولا بد من صياغة دول تحترم كل مواطنيها، حتى لا نسمع اليوم صوت الدروز في سورية وهم يتخوفون، وصوت العلويين وهم يحذرون من الانتقام الجماعي، كما أننا جميعا ضد الفيدرالية لأنها تعد نوعا من أنواع التقسيم، لكن تحت مسمى ذات الدولة، وهويتها العامة.
العربي بين خيارات صعبة، إما تقسيم كامل وصناعة دويلات جديدة، وإما فيدرالية تثبت استحالة قدرتنا على التفاهم مع بعضنا البعض، وإما أنظمة ظالمة تدوس على كل مكوناتها بذريعة تعزيز الوحدة الداخلية ومنع الانشطارات، وكلها خيارات سيئة.
إن كان من حل أقل ضررا وفقا لبعض الآراء، فهو الفيدرالية، بدلا من الانقسام الكامل وتوليد دول جديدة تكون سيوفا في خواصرنا وبرعاية خارجية لها تصوراتها، وبدلا عن الدوس على الشعوب واستمرار المظالم، بذريعة صون الوحدة الداخلية.
والكلام قابل للرد والنقاش والتصحيح.