وقف المصارع العظيم يتلقى تحية الجماهير بعد فاصل من العرض المثير المبهر خاصة في آخر مشهد حين طعن ذلك الثور الأصم الطعنة الأخيرة التى أودت بحياته ليفقد الثور حياته إثر طموحات الجمهور فقط للترفيه .
ثم ظهر المصارع المتحضر صاحب الكاريزما في مشهد آخر أمام الكاميرا يحدث المذيعة -التى جاءت بملابس نومها كنوع من التحضر وبادلته الأحضان كنوع من الرقي – يحكى لها عن مدى صعوبة التبسم والرقص أثناء القتل وكيف تدرب ليصل إلى هذا القدر من التحكم ، ثم قدم هذا الإنجاز العظيم لرعاة التحضر والفنون ولجمهوره الراقي المتمدن .
وفي مشهد آخر في الدولة العظيمة وقف المسئول المتحضر يدافع عن إرسال الجنود والسلاح لمحاصرة بعض الشعوب قائلاً : نحن نعرف كيف نقود العالم، ونحارب التخلف والرجعية ،في كل مكان وننير الطريق لهذا العالم المظلم ، لقد صعدنا للقمر ووصلت مراكبنا الفضائية إلى المريخ .
فسأله المذيع : هلا قامت مراكبنا الفضائية بإطفاء الحرائق بدلاً من محاولة الزراعة في كوكب المريخ!!
يا متحضرين اعلموا أن ... التحضر يقتضي الرحمة ، والرقي يقتضي التسامح ، والتمدن يقتضي العدل .
أيها الغرب المتطور :
الفرق كبير بين التحضر والتطور ،،
فالتحضر هو التعبير عن فعل لائق وإنساني من أي شخص .. عالم أو جاهل ولو صدر من أمِّيٍ .
أما التطور فهو تقدم في مجال ما ، لا يلزم أن يكون له هدف إنساني ، بل تجده كثيراً يهدف إلى الترفيه فقط حتى إذا كان له تأثير سلبي على المجتمع .
فلا يصح أن يقال الغرب المتحضر ولكن الصحيح ( الغرب المتطور) ولا يصح قول دولة متخلفة أو رجعية ، الصحيح أن تقول ( دولة متأخرة ) .
سأل سائل رسول اللَّه: هل نثاب على بهائمنا ؟ قال : في كل كبد رطب أجر .
وقال في موضع آخر: لا تحرقوا زرعا لا تقطعوا شجرة لا تهدموا بيتاً .
قال المسيح : لا تُكِمَّ ثوراً دارساً .
التحضر هو موقف موسى عليه السلام حين سقى لإبنتي شعيب وحمل عنهما الوعاء .
الرقي هو مجادلة ابراهيم عن قوم لوط كي يؤجل عذابهم علَّهم يتوبوا .
التمدن هو شهادة أعظم الخلق لزانية أنها دخلت الجنة لأنها سقت كلب ، ولإمرأة شريفة دخلت النار لأنها حبست قطة .
التطور التكنولوجي المزعج الذي يخترق الخصوصية المتخم بشهوى السيطرة والتملك أنَّى يصير تحضراً.
ولا هو المولود الذي تمخضت بسببه الدول في كبد ومشقة لتستطيع من خلاله السيطرة والهيمنة ،
بل التحضر إرثاء للقيم الأخلاقية والإنسانية التى تناستها الأجيال .