زاد الاردن الاخباري -
عاد السودان إلى واجهة الأحداث مع استعادة الجيش السيطرة على مدينة ود مدني ثاني أكبر مدن البلاد، وعاصمة ولاية الجزيرة مركز النشاط الزراعي السوداني، وعقدة الطرق بين شمال البلاد وجنوبها، وشرقها وغربها. وقد عززت استعادة السيطرة على المدينة اندفاع قوات الجيش رفقة القوات الرديفة، نحو الخرطوم وبحري اللتين تشكلان مع أم درمان العاصمة السودانية.
السقوط المزلزل
لم يكن سقوط ود مدني في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 حدثا عاديا في مسيرة الصراع الذي بدأ منتصف أبريل/نيسان 2023، بل كان أشبه بزلزال هزّ كيان السودان جيشا وشعبا، بعد أن انتشر القلق من أن قوات الدعم السريع غير قابلة للهزيمة.
فالمدينة سقطت من قبل دون قتال عنيف، بشكل تضمن انسحاب قادة الفرقة العسكرية الأولى المكلفة بالدفاع عن المدينة؛ مما دفع القوات المسلحة إلى فتح تحقيق بشأن ما جرى وإحالة سبعة ضباط من بينهم قائد الفرقة للمحاكمة العسكرية. وقد تداعت جموع المواطنين لتشكيل كتائب مقاومة شعبية، والتسلح بما تيسر من عتاد للدفاع عن مناطقهم في ظل التخوف من تكرار ما حدث في ود مدني وعدم قدرة الجيش على الدفاع عنهم.
ولفهم الأثر النفسي لسقوط ود مدني بيد الدعم السريع بعد أكثر من ستة أشهر من اندلاع القتال في الخرطوم وغيرها من مناطق السودان، لا بد من استحضار المقولات التي ترددت في الساعات الأولى من اندلاع الحرب.
فقد قيل "لن تهزم مليشيا جيشا"، و"الجيش السوداني سيقضي بواسطة استخدام الأسلحة الثقيلة من دبابات وطيران على تمرد الدعم السريع خلال أيام معدودة"، لكن تبين أن الحرب سجال، وأن قوات الدعم السريع استعدت مسبقا للحرب بشكل جيد، وأنها استفادت من انتشار وحشد قواتها في العاصمة بمكوناتها الثلاثة الخرطوم وبحري وأم درمان لفرض هيمنتها، والسيطرة على المعسكرات والمنشآت السيادية مثل القصر الجمهوري ومقر جهاز المخابرات العامة ومقر قيادة الكتيبة الإستراتيجية ومصنع اليرموك لصناعة الأسلحة، وحاصرت مقرات الجيش بما فيها مقر القيادة العامة للقوات المسلحة ومقر قيادة سلاح المدرعات في منطقة الشجرة العسكرية، ومقرات قيادة أسلحة الإشارة والمهندسين وغيرها.
بررت مصادر عسكرية هيمنة الدعم السريع على العاصمة بأنها تحصيل حاصل من الناحية العسكرية، فقوات الدعم السريع كانت موجودة بالفعل مسبقا لحماية الأماكن التي سيطرت عليها، أما انتشار الجيش في الخرطوم فكان إداريا داخل معسكراته وحول مقراته القيادية، وكانت أغلبية قواته القتالية منتشرة في أنحاء السودان لحماية المناطق الحدودية، التي تشهد اشتباكات متكررة مع جماعات متمردة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق أو مع عصابات من دول الجوار مثلما هو الحال مع عصابات الشفتة في منطقة الفشقة على الحدود مع إثيوبيا.
ولذلك بشرت تلك المصادر آنذاك بأن الجيش سيعيد تجميع قواته ويشن هجوما مضادا يستعيد به الخرطوم. ولكن وقعت المفاجأة بعد ستة أشهر من القتال، حيث تمدد الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة وسيطر على عاصمتها ود مدني؛ مما أثار الشك في قدرات الجيش العسكرية، ومدى ولاء كبار الضباط للقيادة العسكرية في ظل تسليم المدينة دون مقاومة تكافئ حجم قوات الجيش بالمدينة، في حين تصاعدت عمليات النزوح، ووصل عدد من يحتاجون في عموم السودان إلى مساعدات إنسانية إلى نحو 30 مليون شخص بحسب وزارة الخارجية الأميركية.