تعد معركة التهجير معركة غير إنسانية إن لم تكن وحشية، وهي اسوء بمضمونها من معارك التدمير التي حملتها المعركه الاولى في قطاع غزة، سيما وإنها معركة تستهدف اقتلاع الفلسطينين من جذورهم واحتلال القطاع عبر ترحيل الفلسطينيين خارج حدود جغرافية فلسطين التاريخية الى حيث يمكن ترحيلهم، وهذا ما يجعل حالة المعركة محتدمة بعد قرار الرئيس الأمريكي القاضي بالتهجير وباتت فرص البيت الأبيض تناقش كيفية التنفيذ وانبرى البعض منهم لمناقشة آليات العمل ووسائل التنفيذ.
فإذا قبلت مصر بالصفقة التي ستعرض عليها من باب مقايضة تشمل كامل سيناء من مدخل وقف العمل بتقسيمات الحدود الأمنية الثلاث (abc)، التي جاءت مع كامب ديفيد ببيان ترسيم الحدود المشتركة الإسرائيلية المصرية لتكون على حدود رفح إضافة الى زيادة المخصصات الأمريكية لتكون دائمة، فإن الصفقة ستكون اقرت بحالة واقعيه يتم عبرها تهجير 1.5مليون من سكان غزة الى سيناء ليكونوا تحت السياده المصريه، كما سيصل الأردن جزءا منهم اضافة الى مهجرين من الضفة مقابل دعم الأردن سياسيا وتمكينه بالمعونات الأمريكية لتكون دائمة تصل مبالغها إلى ضعف ما يحصل عليه الأردن من مساعدات قبل توقفها بطريقة مرحلية، هذا إضافة لعملية إعمار شامل للبنية التحتية ومساعدات أخرى تنموية وعسكرية وهي جميعها تأتي من باب القوة الاقتصادية "الجيو ايكونوميك" التي ينطلق منها برنامج الرئيس دونالد ترامب في بناء ترسيماته الجديدة، التي لا تقوم على الضغط العسكرى والأمنى بل تقوم على الضغط الاقتصادي ومسألة "تجفيف المنابع" التي ينتهجها هذا البرنامج بالضغط لترسيم الصفقة التي يجري الحديث عنها، مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى داخل الأروقة الأممية لكن بلا مضمون او جوهر سيادي واضح.
تلك هى الصفقة التى سيتحدث عنها نتنياهو في البيت الأبيض مع ترامب ضمن مستهل زيارة يقوم بها أول زعيم في المنطقة للمكتب البيضاوي بعد استلام دونالد ترامب سلطاته الدستورية، وهذا ما يجعل من عناوين هذه الزيارة تكون مرتكزة تجاه "دول غرب آسيا" بعدما اخذت امريكا قرارا بالانسحاب من سوريا مقابل صفقة بينها وبين الأتراك تضمنت استحواذ أمريكا على الغاز فى الحوض القبرصي مقابل سيطرة تركيا على حوض طرطوس واللاذقية وجبلة من موانىء وآبار غاز بحرية وتمدد اسرائيل فى الخاصرة الغربية الجنوبية السورية، وهذا ما يعني بالمحصلة تفعيل دور تركيا في سوريا بحضور جيو سياسي متوافق عليه روسيا وامريكيا لضمانة وجود منطقه آمنه على امتداد حدود اسرائيل على جغرافيا فلسطين التاريخية.
ولعل هذه القراءات الناتجة عن تحليلات ما يتم تداوله فى مطبخ القرار السياسي تصطدم بواقع ذاتي مرفوض ومقررات سياسية أممية لا تجيز لاسرائيل من بسط سيادتها على أراضي فلسطين التاريخية لتجعل من الحواضن الشعبية ترفض ما يتم صياغته شعبيا، كما يمانع القانون الدولي لما يتم الحديث عنه لدرجة مستهجنة، وهذا ما يجعل من المنطقة تعيش حالة صعبة في حواضن التكوين تقوم معادلاتها بين ملابسات القبول وآثار الرفض لهذه الاسقاطات السياسية التى يراد ترسيمها على المنطقة وعلى مجتمعاتها.
ضمن مقتطفات تفرض واقع سياسي ومعيشي يسمح بتصفية القضية الفلسطينية يؤدي بالمحصلة الى انهاء ملف الصراع الذي تمثل القضية الفلسطينية عنوانه ضمن حلول إقليمية تجعل من حلول تهجير السكان واحتلال الأرض بقانون القوة تجعل من هذه السياسات محط صدام مع الحواضن الشعبية الرافضة لها كما القانون الدولي، وهذا ما جعل من المبعوث الأمريكي للمنطقة ويتكوف يرجىء مسألة إعمار غزة إلى عشر سنوات ويتحدث حول برنامج اسكان مؤقت لأهل غزة ب "الخيام" وتطبيق عليهم حصار معيشي بالغذاء والدواء مما يؤدي لجعل حالة القطاع منطقة طاردة لأهلها ومنطقة وباء غير صالحة للعيش، وهو الحل الذى يجرى الحديث حوله لإطباق الحصار لدعم برنامج الترحيل الطوعي الذي يتم تداوله وتحديد بوصلة عناوينه ليكون تجاه الأردن ومصر مع رفض بيت القرار الأمريكي لاستقباله أي مهاجرين من غزة.
ان الموقف الاردني والمصري الذي يعول عليهم بالتصدي السياسي مع جامعه الدول العربيه لهذه السياسات، هو الموقف الذى بحاجه لدعم لاجهاض هذه السياسات والتي أخذت ما تظهر على السطح وهى كما تلزم تفعيل دور الحواضن الشعبية في الاردن ومصر كما الرسميه الداعمة فى الجامعه العربيه، ليؤكد الجميع على ضرورة رفضهم لهذه السياسات التي تستهدف تصفية القضية المركزية، وهو الموضوع الذي سيكون أرضية عمل للقمة العربية التي يجرى الترتيب لها والتى ستعقد في بغداد.