لقد كان الوجود الإسرائيلي منذ تأسيسه كياناً قائماً على أربع ركائز أساسية: الأمن، الهجرة ،الردع، والدعم الغربي ، هذه الركائز شكّلت أساس قوة إسرائيل وشرعيتها على الساحة الدولية، لكنها الآن تبدو في حالة تآكل وانهيار متسارع، خاصة بعد الأحداث التي أعقبت السابع من أكتوبر 2023، وهو التاريخ الذي شكّل نقطة تحول جذري في منظومة إسرائيل السياسية والعسكرية والاجتماعية.
أولاً: الركيزة الأمنية - الانهيار الأكبر ، ولطالما اعتمدت إسرائيل على منظومة أمنية متطورة، دعمتها قدراتها الاستخباراتية ونظام الردع العسكري الذي جعلها تعتقد أنها محصنة ضد أي تهديد ، لكن في السابع من أكتوبر 2023، انهارت هذه الصورة عندما اخترقت فصائل المقاومة الفلسطينية العمق الإسرائيلي في هجوم غير مسبوق، متجاوزة كل الحواجز الأمنية والتكنولوجية.
هذا الاختراق أحدث شرخاً عميقاً في ثقة المواطن الإسرائيلي بمؤسساته الأمنية ، وقد أصبحت المدن الإسرائيلية، بما فيها تل أبيب والقدس، عرضة لهجمات صاروخية لم تستطع منظومة "القبة الحديدية" التصدي لها بشكل فعّال ، أما استهداف غرفة نوم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فكان بمثابة ضربة رمزية أفقدت القيادة السياسية هيبتها وأثارت تساؤلات حول قدرة إسرائيل على توفير الأمان لمواطنيها.
ثانياً: الهجرة العكسية - النهاية الحتمية للديموغرافيا ، فالهجرة إلى إسرائيل كانت دائماً إحدى أدوات تكوين المجتمع الإسرائيلي، حيث استقطبت يهوداً من شتى أنحاء العالم لبناء "وطن قومي" ، لكن منذ السابع من أكتوبر، تصاعدت مظاهر الهجرة العكسية، إذ بدأ الإسرائيليون من ذوي الجنسيات المزدوجة بمغادرة البلاد.
ولم يعد المواطن الإسرائيلي يشعر بالأمان، وأصبحت العائلات تنتظر بفارغ الصبر استكمال إجراءات إصدار جوازات السفر كي تهاجر ، هذه الهجرة العكسية تهدد بتغيير التوازن الديموغرافي في المنطقة، مما يجعل إسرائيل عاجزة عن الحفاظ على كتلتها السكانية، التي كانت تعد إحدى ركائز بقائها.
ثالثاً: الردع - انهيار الصورة التقليدية ، حيث أن أسطورة الردع الإسرائيلي تعرضت لضربة قاضية بعد أن أصبحت الصواريخ تخترق العمق الإسرائيلي دون رادع، وبدلاً من أن تكون إسرائيل هي القوة المهاجمة، وجدت نفسها في موقف الدفاع.
هذا التحول أضعف مكانة إسرائيل الإقليمية وفضح هشاشتها أمام العالم، خصوصاً وأن مفهوم الردع لم يعد قائماً على قدرة إسرائيل على منع الهجمات، بل على محاولتها تقليل أضرارها.
رابعاً: الدعم الغربي - التراجع الحتمي ، ولطالما اعتمدت إسرائيل على الدعم الغربي، سواء من الولايات المتحدة أو أوروبا ، لكن هذا الدعم يشهد تحولاً جوهرياً فمثلاً فرنسا، التي كانت من أوائل الداعمين لإسرائيل وساهمت في بناء مفاعلها النووي، تصاعدت الدعوات لمحاكمة نتنياهو على جرائم حرب ومنع تصدير السلاح لها ، والمشهد لم يقتصر على فرنسا، بل امتد إلى إيطاليا وعموم الدول الأوروبية التي بدأت تعيد تقييم علاقتها بإسرائيل، وسط ضغط شعبي متزايد ضد تمويلها أو دعمها سياسياً وعسكرياً.
حتى في الولايات المتحدة، حيث كان الدعم لإسرائيل يُعد مسلّمة، نشهد تغييرات جذرية داخل المؤسسات الحاكمة ، والنقاش العام أصبح يركز على الأخلاقيات المرتبطة بإمداد إسرائيل بالأسلحة التي تُستخدم ضد المدنيين الفلسطينيين، مما يضعف من شرعية هذا الدعم ويهدد استمراره ، بالتالي هناك
تغيرات دولية ، تنذر في بداية النهاية ، فالتغيرات في النظام الدولي ليست لصالح إسرائيل ، وقد تصاعدت المظاهرات العالمية المناهضة للكيان الإسرائيلي مما يشير إلى فقدانه الدعم الشعبي العالمي ، والأجيال الجديدة في الغرب، التي تشكل قاعدة الناخبين، ترى في إسرائيل كياناً استعماري الطابع يمارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين ،
إضافة إلى ذلك، التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الدول الغربية تقلل من قدرتها على دعم إسرائيل دون قيود أو شروط ، هذا عدا عن تصادم الكثير من المصالح الغربية في الشرق الأوسط بشكل مباشر مع مصالح إسرائيل ، ومما سبق نخلص إلى استنتاج: زوال إسرائيل مسألة وقت ،فما نشهده اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل بداية تحول جذري في موازين القوى في المنطقة ، والركائز الأربع التي قام عليها الكيان الإسرائيلي قد انهارت أو أصبحت على وشك الانهيار ،
وعلى الجميع، سواء كانوا فلسطينيين أو عرباً أو داعمين للقضية الفلسطينية حول العالم، أن يستعدوا لمرحلة ما بعد إسرائيل ، وهذا لا يعني فقط انتظار النهاية الحتمية، بل العمل على بناء مستقبل شامل يتضمن إعادة الحقوق لأصحابها وترسيخ أسس العدالة والسلام في المنطقة ، لأن زوال إسرائيل ليس مجرد احتمال، بل حتمية تاريخية تستند إلى قوانين الطبيعة والتاريخ ، وكما سقطت الإمبراطوريات والأنظمة التي قامت على الظلم والعدوان، فإن زوال إسرائيل هو مسألة وقت، وسيشهد العالم نهاية كيان بُني على العنف والاحتلال ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .