لما يزيد عن مئة عام من عمر الأردن الحديث ، والتي تشكلت كمملكة قامت على أعقاب ثورة عربية كبرى ، دفاعاً عن العرب لا اضطهاداً لهم ، برغبة الأردنيين أولاً واختيارهم لا رغماً عن إرادتهم ، وبنتيجة سيوفهم وبنادقهم التي وجهّوها على العدو لا سيوف منسلة صوبهم ، وبنداءات أطلقها مشايخ الأردن وكبار العرب ومثقفيهم إلى شريف العرب وملك الحجاز الملك الحسين بن علي طيب الله ثراه آنذاك ، نهضت البلاد العربية بأكملها من وحل الجهل والتهميش ، وفي مقدمتها الأردن ؛ فمنذ قرن ونيف والدولة تسير في خطوات مدروسة ومتزنة.
هذه الدولة التي أسسها - بصورتها الحديثة - الهاشميون ، تحمل في دوائرها السياسية ومنافذ القرارات العليا والسيادية التي في أروقتها جملة من الأولويات والمحددات والضوابط ، المبنية على الاعتدال والتوازن ، ما جعلها تتميز عن أي دولة أخرى ، حيث تقف راسخة بثبات في عمق إقليم ملتهب ، يتجرع الأزمات بين الحين والآخر ، ويعزى ذلك إلى الحكم العربي الأردني الهاشمي الذي استطاع بفراسة الملك العربي الأصيل أن يتخطى صعاب الأزمات ، وسموم التحديات ، وكل أوراق الضغط ودفاتر التنازلات ، في معطيات ضيقة لا يمكن أن تتسع إلا بعقل ملك هاشمي يمتلك الأفق الواسع ، ليتمكن من ايصال البلاد إلى بر الأمان.
ولأن هذا ليس بجديد عن الهاشميين ، فهم ليسوا ملوكاً بفعل الصدفة ، ولم يصلوا لسدة الحكم على إثر اقتتال وتناحرات ( عربية - عربية ) بل ورثوا الحكم الرشيد لأنهم من آل بيت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، الأمر الذي جعلهم ينجحون بقيادة زمام الأمور في منطقة الحجاز حيث دام حكمهم فيها لقرون بدءاً من شرافة مكة إلى مملكة الحجاز ( زمنياً ) ، ثم تقلدوا الحكم في كل من الأردن وسوريا والعراق بقناعات شعبوية ونخبوية ، وبمبايعة مشرئبة بمحبة عربية خالصة تؤمن بحكمتهم وقدراتهم وباعهم الطويل في تسيير الأمور التي من المقام الاول.
وفي بدايات تأسيس الدولة الأردنية دأب الملك عبدالله المؤسس طيب الله ثراه بمعية أشقائه على انجاح خطط التحديث والتطوير للبلاد العربية ، في الأردن بخطى ثابتة ، وحتى في العراق بقيادة الملك فيصل الأول طيب الله ثراه ( المؤسس للعراق الحديث ) والذي كانت فترة حكمه مضيئة للدولة العراقية ففي عهده بُنيت الجسور والسدود والمستشفيات والمدارس والتلفزيون ومعامل الحديد والإسمنت والدواء وغيرها والتي ما زالت إلى اليوم شاهداً على نهضة حقيقية قد حظي بها العراق الشقيق ، وكل ذلك ما كان ليكون بعد فضل من الله تعالى أولاً ثم الحكم الهاشمي الرشيد ثانياً.
وفي عهد الملك الحسين الباني طيب الله ثراه ، واجهت الدولة الأردنية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام العديد من التحديات والمؤامرات والمكائد والتحولات المصيرية والمنعطفات التاريخية الصعبة ، وكانت حنكة الملك الحسين تفوز في كل مرة ، بحلمه وذكائه وبراعته السياسية والدبلوماسية التي فرضت على المجتمع الدولي احترامه ، وهو الرجل الوحيد الذي حظي بجنازة استثنائية جعلت العالم بأكمله يستمر في احترام هذا الملك حتى في يوم وداعه الأخير.
ولأن الإنسان وريث أجداده بالمُلك والصفات والطبائع تراكمياً ، فقد ورث جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه حنكة أبيه الملك الحسين طيب الله ثراه ، وتركة ثقيلة من العلاقات المميزة مع كل دول العالم ، وفراسة أجداده وهدوء التصرف ، وثبات الموقف ، والتمكين في صنع القرار ، والهمة العالية أمام كل التحديات.
وعلى إثر إعلان الرئيس الأمريكي الجديد والمنتخب حديثاً دونالد ترامب إيقاف الدعم للأردن على إثر ما يحدث في الشرق الأوسط ، في مكاشفة صريحة أعلنتها إدارة ترامب لفرض الضغوط على الأردن ، استطاع الملك عبد الله الثاني بن الحسين أن ينقذ الدولة الأردنية من أزمة اقتصادية كانت ستكون ، بفضل شخصيته المميزة وحكمته العملية وسرعة إقدامه على انقاذ بلاده ، حيث حصلت الأردن على دعم من الاتحاد الأوروبي على شكل حزمة مساعدات مالية بقيمة ثلاثة مليارات بعد قرار ترامب بأيام فقط.
هذه السياسة الأردنية الهاشمية التي بنيت منذ تأسيس الأردن على مبدأ وسياسة مد الجسور ، تجعل الدولة الأردنية دوماً - بعد فضل كبير من الله عز وجل - في أمان متجدد ، وذات شأو عظيم ، بدءاً من إغاثة المنكوبين الناجين من ويلات الحروب وحتى المستثمرين الذين يجدون في الأردن ملاذاً آمناً ومناخاً نقياً لكبرى الاستثمارات المستقرة والبعيدة عن شبح الحرب.
وأما في عيون الغرب تظل هذه الدولة المتزنة في سياساتها والعقلانية في تفاعلاتها الداخلية والخارجية مصدر ثقة وتقدير بهمة قائدها ومليكها الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، حفظه الله ذخراً للوطن وللشعب ولكل العرب ، مهما بلغت التحديات.
المستشارة فداء المرايات