بين السياسة والواقع الميداني، يكشف الخطاب الأمريكي-الإسرائيلي الأخير عن نوايا جيوسياسية تتجاوز مجرد المواجهة مع حماس، لتصل إلى فرض وصاية دولية على غزة، في خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية خطيرة تمتد إلى المنطقة بأسرها ، و
محاولة "امتلاك" غزة: إعادة هندسة الجغرافيا السياسية ، و
تُعتبر تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول "السيطرة" على قطاع غزة و"امتلاكه" مؤشرًا خطيرًا على تحول في الرؤية الاستعمارية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ، فهذه اللغة تتجاوز الدعم التقليدي لإسرائيل إلى محاولة فرض معادلة جديدة، يكون فيها القطاع خاضعًا لإدارة مباشرة أو غير مباشرة من قبل واشنطن وحلفائها ، لكن هذا الطرح يواجه معضلات كبرى، أبرزها :
1. الشرعية الدولية: لا يمكن لأي قوة خارجية أن تمتلك أرضًا يسكنها شعب له حق تقرير المصير، وفق المواثيق الدولية.
2. المقاومة الشعبية: رغم الضربات العسكرية، لا يزال قطاع غزة يحتضن مقاومة متجذرة، لن تسمح بتحويله إلى محمية أمريكية-إسرائيلية.
3. التداعيات الإقليمية: أي محاولة لفرض السيطرة على غزة قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي، إذ لن تقف القوى المناهضة لهذا المشروع مكتوفة الأيدي ، في حين لم يكن الدعم الأمريكي لإسرائيل موضع شك يومًا، لكن الحديث عن "تعزيز التحالف أكثر من أي وقت مضى" يعكس تحولات أعمق في الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة ، و
من الواضح أن واشنطن تريد استثمار الحرب الأخيرة في غزة لتحقيق أجندة إقليمية أوسع، تشمل تطويق النفوذ الإيراني وضمان تفوق إسرائيل الاستراتيجي ، فضلاً عن
تسريع انضمام دول عربية جديدة إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" ليس مجرد مسألة تطبيع، بل خطوة نحو بناء محور إقليمي جديد تكون إسرائيل مركزه، في مواجهة قوى أخرى كإيران وتركيا ، ويبقى في المقابل الحديث عن "القضاء على حماس" ليس مجرد استهداف لحركة سياسية أو عسكرية، بل هو جزء من محاولة تصفية أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية ، ومع ذلك، فإن التجربة التاريخية أثبتت أن القضاء على فصيل لا يعني إنهاء القضية، بل يؤدي في كثير من الأحيان إلى صعود قوى جديدة قد تكون أكثر تشددًا ، و
قرار واشنطن بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة بحجة أنه "معادٍ للسامية" يعكس رغبة في التهرب من أي مساءلة عن الجرائم المرتكبة في غزة ، لكن هذا الانسحاب لا يلغي حقيقة أن إسرائيل تواجه تهمًا موثقة بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، من بينها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ، و
على الرغم من محاولات واشنطن وتل أبيب إعادة رسم خريطة الصراع، تبقى هناك عوامل معقدة تجعل فرض رؤية أحادية أمرًا صعبًا ، فالوعي الشعبي الفلسطيني ، أثبت من خلاله الفلسطينيون، سواء في غزة أو الضفة أو الشتات، أن الهوية الوطنية والمقاومة ليست مجرد تنظيمات يمكن تصفيتها، بل هي حالة مستمرة ، سيما وأن
التغيرات الدولية ، والعالم لم يعد كما كان قبل عقود، حيث تتنامى قوى دولية مثل الصين وروسيا، وقد يكون لتطورات المشهد العالمي تأثير على توازنات الشرق الأوسط ، و
رغم محاولات إسكات الأصوات الناقدة، فإن حركة التضامن مع فلسطين تتصاعد، خاصة في المجتمعات الغربية التي بدأت تدرك حقيقة المأساة الإنسانية في غزة ، وهنا نتساءل: هل نحن أمام مرحلة جديدة من الصراع؟!!فما يجري حاليًا ليس مجرد استمرار للسياسة الأمريكية التقليدية، بل محاولة لإعادة هندسة الوضع الإقليمي بحيث تصبح إسرائيل مركز القوة بلا منازع، مقابل إخضاع الفلسطينيين تحت غطاء اتفاقيات تطبيع أو ترتيبات أمنية ، ولكن أي مشروع لا يأخذ بعين الاعتبار الحقوق التاريخية والواقعية للشعب الفلسطيني، مصيره الفشل، حتى لو استغرق ذلك عقودًا ، وغزة ليست للبيع، وفلسطين ليست ملفًا يُسوّى في أروقة البيت الأبيض، بل هي قضية شعب وحق، والتاريخ لن يرحم من يظن أن بإمكانه فرض الأمر الواقع بالقوة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .