لم يكن الحديث عن تهجير سكان غزة مجرد فكرة عابرة، بل هو جزء من مشروع استراتيجي يتجاوز الأبعاد السياسية والأمنية ليصل إلى عمق المصالح الاقتصادية والجيوسياسية ، وبينما تروج إسرائيل لهذه الفكرة تحت ذريعة "الأمن القومي"، تبدو الولايات المتحدة شريكًا رئيسيًا في هذا المخطط، مدفوعة بمصالح اقتصادية ضخمة، أبرزها السيطرة على احتياطيات الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة ، وضمن هذه الدوافع يتبلور السؤال الأهم :هل الهدف الحقيقي هو تفريغ القطاع من سكانه أم نهب ثرواته ؟!! وللإجابة على هذا السؤال نقول :
أولًا: غزة والكنز المدفون تحت البحر ، فغزة ليست فقط رقعة جغرافية صغيرة يعاني سكانها من الحصار والفقر، بل هي بوابة لكنز اقتصادي هائل يتمثل في احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي والموارد البحرية الأخرى ، وللتوضيح اكثر علينا أن نذكر :
1- حقل غزة مارين: كنز استراتيجي في المياه الفلسطينية ، ويقع حقل غزة مارين على بعد حوالي 36 كيلومترًا من سواحل غزة، ويحتوي على ما يقارب 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يجعله أحد أكبر الاحتياطيات غير المستغلة في شرق المتوسط ، ولو تم تطوير هذا الحقل، فإنه قد يوفر اكتفاءً ذاتيًا للطاقة للفلسطينيين، بل ويتيح تصدير الغاز إلى الأسواق الإقليمية، مما قد يُحدث نقلة اقتصادية هائلة لفلسطين.
2- لماذا تمنع إسرائيل الفلسطينيين من استغلال غازهم؟! فعلى الرغم توقيع اتفاقيات بين السلطة الفلسطينية وشركات دولية منذ عام 1999، رفضت إسرائيل السماح بأي عمليات تطوير للحقل ، حيث تسعى اسرائيل إلى احتكار سوق الغاز في المنطقة، خاصة بعد اكتشاف حقول ضخمة مثل تمار وليفياثان، وترى في أي استثمار فلسطيني في الغاز تهديدًا لمكانتها كمصدر رئيسي للغاز في شرق المتوسط ، لهذا حين نتفهم هذه الحقائق ندرك لماذا
فرض الحصار البحري على غزة منذ عام 2007 ، والذي كان أحد أدوات إسرائيل لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى ثرواتهم الطبيعية.
ثانيًا : واشنطن وإسرائيل.. تحالف الغاز والمصالح ، لجملة من العوامل المتداخلة في الأسباب والنتائج ، مثل :
1- أمريكا وتوظيف الغاز الفلسطيني لخدمة أوروبا ، فمنذ الحرب الأوكرانية، تسعى الولايات المتحدة إلى تعويض أوروبا عن الغاز الروسي عبر مصادر بديلة، وإسرائيل واحدة من أهم هذه البدائل ، ولكن هناك مشكلة: إسرائيل وحدها لا تكفي لتلبية الطلب الأوروبي المتزايد، لذا فإن إضافة الغاز الفلسطيني إلى المعادلة يجعل المشروع أكثر جدوى اقتصاديًا ، وهذا يفسر الضغوط الأمريكية المستمرة على الدول العربية لقبول صفقات تطبيع مع إسرائيل، حيث تسعى واشنطن إلى خلق سوق غاز إقليمي متكامل يشمل إسرائيل والدول المجاورة.
2- هل تهجير الفلسطينيين يسهل نهب الموارد؟!
فوجود سكان فلسطينيين في غزة يعني أن أي مشروع استغلال للغاز سيواجه تحديات قانونية وسياسية، إذ يمكن للسلطة الفلسطينية المطالبة بحقوقها عبر المؤسسات الدولية ، بالتالي تفريغ غزة من سكانها يجعل أي عمليات استخراج أسهل سياسيًا وقانونيًا، حيث يمكن لإسرائيل فرض سيطرتها الكاملة على المنطقة البحرية دون أي معارضة حقيقية ، لهذا فإن التهجير ليس فقط حلاً إسرائيليًا لمشكلة المقاومة، بل هو أيضًا مفتاح لنهب الموارد الطبيعية دون قيود.
ثالثًا: موارد غزة الأخرى.. أطماع لا تتوقف ، وإلى جانب الغاز، تمتلك غزة ثروات أخرى مغرية تجعلها هدفًا دائمًا للهيمنة الإسرائيلية، منها:
الرمال السوداء: تحتوي على معادن نادرة مثل التيتانيوم والزركونيوم، وهي ضرورية في الصناعات المتقدمة مثل الطيران والتكنولوجيا.
الثروة السمكية: مياه غزة غنية بالأسماك، لكن إسرائيل تمنع الصيادين الفلسطينيين من استغلالها بحرية.
المياه الجوفية: رغم الحصار وتلوث المياه، لا تزال غزة تمتلك احتياطيًا مائيًا يمكن أن يصبح موردًا مهمًا في ظل أزمة المياه الإقليمية .
رابعًا: ماذا لو نجح المخطط؟!
وإذا تحقق سيناريو تفريغ غزة، فإن النتائج ستكون كارثية على جميع المستويات لعدة أسباب نذكر منها :
1. إسرائيل ستسيطر بشكل كامل على ثروات غزة، ما يجعلها قوة طاقة إقليمية أكبر.
2. الفلسطينيون سيفقدون فرصة بناء اقتصاد مستقل، ليظلوا رهينة المساعدات الدولية.
3. المنطقة ستشهد اضطرابات أكبر، خاصة مع احتمال أن يتحول المهجّرون إلى لاجئين جدد يثيرون أزمات سياسية في الدول المجاورة.
ونستنتج مما سبق أن تفريغ غزة ليس مجرد مخطط عسكري إسرائيلي، بل هو جزء من مشروع اقتصادي واستراتيجي أمريكي-إسرائيلي يهدف إلى نهب الثروات الفلسطينية وإعادة رسم خريطة الطاقة في الشرق الأوسط ، ورغم كل المحاولات، تبقى غزة شوكة في حلق هذا المشروع، حيث أثبت الفلسطينيون عبر العقود أنهم قادرون على مواجهة المخططات التي تستهدف وجودهم وهويتهم ، ويبقى السؤال المعلق هو : هل تستطيع القوى العالمية وقف هذا المخطط، أم أننا نشهد فصلاً جديدًا من الاستعمار الاقتصادي تحت غطاء التهجير القسري ؟! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .