بقلم الدكتورة فاطمة النشاش - في كل مرحلة من الرحلة ندفع شيئًا.. فكل شيء له ثمن.. قراراتنا، اندفاعنا، صمتنا، وحتى تراجعنا.. كل اختيار نختاره ندفع شيئا في المقابل.. ندفع راحة البال المؤقتة حين نواجه الحقيقة.. وندفع استقرار العلاقات حين نختار أن نكون صادقين مع أنفسنا.. وندفع بعضًا من حنين حين نقرر أن نقطع ما كان يُعيقنا... لكننا ندرك أن هناك ثمنًا آخر.. أخطر من كل ذلك.. ثمن البقاء كما نحن، ثمن أن نظل في أماكننا خوفًا من الفقد.
لا ندرك في البداية أن الرحلة ستكلفنا الكثير.. ولا نتوقع أن الطريق إلى استعادة الذات سيمر عبر خسارات متتالية.. وأن بناء الحدود سيجعلنا نبدو قاسين في عيون من اعتادوا تخطيها... لكننا نمضي.. خطوة بعد خطوة.. متكئًين على إيماننا بأن الإنسان لا يُولد ليذوب في الآخرين، بل ليكون هو، بكامل كيانه، وشغفه، ووضوحه، وبحدوده التي تحميه.
المفارقة أن العالم لا يتقبل بسهولة من يقرر امتلاك نفسه.. فمن يرسم حدوده يُتهم بالقسوة.. ومن يختار طريقه يُنعت بالمتمرد.. ومن يضع سعادته ضمن أولوياته يُوصف بالأنانية.. لكن الحقيقة التي لم يخبرنا بها أحد أن كل خيار في الحياة له ثمن.. سواء اخترت أن تكون ما يريدون أو ما تريد أنت.. الفرق أن الأول يُدفع بالتنازل عن ذاتك، والثاني يُدفع بالصبر على الطريق.
اليوم، وأنا أنظر إلى حياتي.. لا أرى الخسائر كما كنت أرآها من قبل.. بل أرى ما كسبته لنفسي.. المساحة التي تسمح لي بأن أكون حقيقية.. وفقًا لما أريده انا.. لا لما يريده الآخرون.. لا أشعر بالندم.. ربما خسرت أشخاصًا.. لكنني كسبت نفسي.. واليوم، حين أنظر في المرآة.. لا أرى شخصًا يساوم على وجوده… بل أرى شخصًا نجا.. لقد كان الثمن غاليًا.. لكنه كان الثمن الوحيد الذي استحق أن يُدفع.