متسلحاً بإجماع دولي تقريباً، يدخل جلالة الملك عبد الله الثاني البيت الأبيض غداً الثلاثاء للتباحث مع أخطر رئيس للولايات المتحدة وفي اخطر مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية والمنطقة عموماً.
يمتلك جلالة الملك الكثير من أسباب القوة : قوة الحق القانوني والإنساني والأخلاقي، وقوة الحجة والمنطق، والمهارة في الحوار والإقناع.
ويمتلك ترمب قوة المال والسلاح.
ليس سوى الإدارة الأميركية ورئيسها، ورئيس وزراء الاحتلال المتهم وفقاً للقانون الدولي بجرائم ضد الإنسانية من يفكر بقتل القضية الفلسطينية وتهجير أصحاب الأرض من غزة. كثيرون من أهل غزة جاءوا من وطنهم الأصلي الذي كرسته إسرائيل دولة لها، إلى وطنهم الأصلي في غزة.
تحدى جلالة الملك عبد الله الثاني حكومة الاحتلال وكل من وقف الى جانبها بعد السابع من أكتوبر 2023، وكانوا كثيرين آنذاك. فنّد رواية الاحتلال من أن هجوم أكتوبر هو السبب
وأن قتل المدنيين مشروع، وأن التجويع سلاح للقتل وللتهجير.
قال جلالته، وحملت الدبلوماسية الأردنية موقفه بأن سبب هجوم أكتوبر وما قبله وما قد يحدث بعد ليس سوى استمرار الاحتلال الإسرائيلي وقمع الشعب الفلسطيني وإنكار حقوقه الأساسية وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير والدولة المستقلة.
قبل مغادرته نحو واشنطن، تواصل جلالة الملك مع قادة بارزين في المنطقة والعالم. كانت نتيجة التواصل صياغة موقف عربي، من الدول العربية الفاعلة والقادرة، ودعم دولي من كافة أنحاء العالم للحق الفلسطيني ورفض فكرة تهجير أهل غزة من ديارهم.
فكرة التهجير تسكن عقل نتنياهو منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومعه المتطرفون أمثاله. لاحت الفرصة لنتنياهو في اليوم التالي للسابع من أكتوبر وأقنع بها إدارة الرئيس السابق جو بايدن الذي أوفد وزير خارجيته بلينكن لترويجها، فواجه موقفاً أردنياً في غاية الحزم. قيل له في حينه : إنها إعلان حرب.
ساكن البيت الأبيض اليوم شخص آخر. رحل عنه قبل أربع سنوات من دون أن يحقق صفقة القرن، وهو يعرف من عطلوها.
لم يغب ترمب عن وسائل الإعلام منذ تنصيبه قبل نحو ثلاثة أسابيع. يريد أن يحتل صدر صفحات ونشرات الأخبار يومياً حتى في العطل الرسمية. ليس في قاموسه أسماء الأيام ولا الإجازات.
معجب بتوقيعه الطويل، وبعرض هذا التوقيع أمام الكاميرات صباحاً ومساء.
في خطاب تنصيبه أشاد بوسائل الإعلام الأميركية. قبلها بسنوات قليلة كان يعتبر معظم وسائل الإعلام فاسدة.
بوجود متطرفين سياسياً واقتصادياً في حكومته، تزداد نشوة الرئيس بتحقيق «انتصارات» يومية... المكسيك وكندا وغريندلاند وبنما، وأوروبا بالطبع.
يعاقب مؤسسات الأمم المتحدة، الواحدة تلو الأخرى وفي ذهنه أن يعاقب هيئة الأمم المتحدة نفسها، وربما يرحلها خارج حدود أميرکا أو يعلن عدم الاعتراف بها.
يخوض ترمب معركته الأولى مع الحلفاء التقليديين. يقول إننا ندفع لهؤلاء وأولئك. وماذا فعلوا لنا بالمقابل.
ينظر الرئيس الاميركي إلى صفحة واحدة تحتوي على « أفضال» الولايات المتحدة على الآخرين، ينسى أن ينظر إلى الصفحة المقابلة وفيها ما فعله الآخرون في شتى أنحاء العالم ولا سيما الأوروبيون والكنديون وأهل أميركا الوسطى وغيرهم. لولا هؤلاء لما كانت أميركا القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم.
ثم ينظر إلى الطاولة الكبيرة أمامه. يجد عليها الكثير من المعدات والأوراق. لا يرى سوى رأس القلم الموضوع على الطاولة : رأس القلم هذا هو حجم إسرائيل على طاولة العالم.
لا يرى الرئيس بجانب رأس القلم أي جزء يدعى فلسطين.
يريد ترمب تهجير أهل غزة. في البداية انحاز إلى فكرة نتنياهو بالتهجير القسري، ثم تحدث عن ترحيل اختياري.
قال إن غزة ستصبح «ريفيرا « أميركية في الشرق الأوسط، ثم بات يتحدث عن إعادة إعمار وسيطرة من دون أن يدخلها جندي أميركي، ولا ينفق فيها دولاراً أميركياً.
هو يريد أيضاً أن تتسلم الولايات المتحدة قطاع غزة بعد أن ينهي نتنياهو جريمته كاملة في القطاع.
هذا هوالرئيس الذي سيحاوره جلالة الملك غداً.
يمتلك جلالة الملك من الحكمة وقوة الحق والمنطق ليضع على طاولة الرئيس ترمب الحقائق التي لا يراها الرئيس، أو تلك التي لا يرغب بأن يراها.
لا يذهب حق وراءه مُطالب. الفلسطينيون أصحاب الحق ويطالبون بحقوقهم المشروعة، وجلالة الملك هو في مقدمة من يقفون إلى جانب هذا الحق.
يلتف الأردنيون حول مليكهم، ويقف العالم بأسره إلى جانب الحق العربي الفلسطيني. وسيقول جلالة الملك للرئيس الأميركي المزهو «بانتصاراته» إن النصر النهائي سيكون للحق دوماً.