بقلم الدكتور المحامي إبراهيم النوافلة - يقع الأردن في موقع جيوسياسي ملتهب يجعل من دوره السياسي والدبلوماسي أكثر تعقيدا، إلا أنه يسعى دوما لتخطي المحن والصعاب، والحفاظ على التوازنات التي تجعله خارج دائرة النزاعات، مع الحفاظ على علاقات جوار دافئة وروابط تضامن صادقة.
وينطلق الخطاب السياسي الأردني من ركيزتين أساسيتين هما الحفاظ على الهوية الأردنية والحفاظ على كينونة الدولة. وهو خطاب لم يكن يوما أساسه العاطفة أو المزاج، ولم يكن البتة عفويا، بل هو خطاب تراكمي يؤكد الأسس والثوابت التي تنسجم مع المعطيات الدولية والإقليمية، بما يخدم الصالح العام الوطني والصالح العربي القومي.
ومذ تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، جعل من ذاته وصيا على العالم، وقد أمطر العالم بجملة من القرارات التنفيذية في مواجهة كثير من الدول كالمكسيك وكندا وغيرهما.. الى جانب الانسحاب من بعض المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان المعادي للسامية، وحظر تمويل الاونروا، وفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وأخيرا إطلاق مخطط الاستيلاء على غزة وتهجير أهلها منها.
وعُقيّب اللقاء الذي جمع الملك مع ترامب في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض البارحة، ظهرت بعض الأصوات النشاز التي تشكك في موقف الأردن الثابت تجاه غزة وأهلنا فيها، رغم أن الأردن لم ينطلق يوما قط من إقليمية نتنة أو عصبية مقيتة، بل كان على الدوام رسول محبة وسلام وأنموذج وفاء ووئام وحضن دافئ لكل الاشقاء العرب، ولكن ثمة كفر لم يدرك بعد، وثمة صلاة آثمة لما تبقّى من المدائح النائمة في هذا العالم.
ظهر جليا في اللقاء الذي جمع الملك وترامب، أن ترامب لا يملك إجابات واضحة على ما ألقاه الملك من أسئلة، حيث جاءت اجاباته غير محددة وغير مقنعة، ولا تنطلق من رؤية واضحة لما يريده، فخطاب ترامب كان خطابا متخبطا يحمل الفكرة ونقيضتها، فهو خطاب ثمل بالأضداد، في حين جاءت تصريحات الملك في المؤتمر منسجمة مع ما يجب أن يتمتع به الملوك من دبلوماسية وضبط للنفس، ولم يصدر منه ما يمكن اعتباره موافقة على ما يصبو إليه ترامب، وأكد أن مصالح الأردن وشعبه فوق كل اعتبار، وأن هناك خطة عربية لمواجهة طرح ترامب فيما يتعلق بتهجير أهل غزة، وهذا يؤكد دبلوماسية الملك بأنه لا يريد أن يخرج بخطاب سياسي يتكلم فيه عن الخطة العربية منفردا، بل لا بد من أن يكون الخطاب العربي موحدا وبعد انعقاد القمة العربية. لا سيما أن الأردن – والذي دأب على احترام التزاماته العهدية- طرف في اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي المبرمة بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية سنة 1950، والتي تنص في المادة الثالثة منها على أن:" تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناء على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضي أيه واحدة منها أو استقلالها أو أمنها"، وهو طرف كذلك في اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن سنة 1967، وكلاهما تفرضان على الأردن التشاور مع باقي الأطراف في الاتفاقية الأولى، ومع مصر في الاتفاقية الثانية وقبل اتخاذ القرار. وقد أكد الملك عُقيّب اللقاء مباشرة وعبر حسابه في منصة إكس التزام الأردن بثوابته تجاه مخطط التهجير بقوله: "أعدت التأكيد على موقف الأردن الثابت ضد التهجير للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وهذا هو الموقف العربي الموحد. يجب أن تكون أولوية الجميع إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، والتعامل مع الوضع الإنساني الصعب في القطاع".
ولا نرى من حرج على الملك إذا أظهر في اللقاء أخلاق الملوك، ولا حرج عليه إذا كان ذكيا تجاه تاجر خاسر – وليست كل تجارة رابحة- يطمع في الاستيلاء على غزة وتهجير أهلها منها، دونما وجه من الحق ودونما مسوغ من القانون، مخالفا بذلك الشرعة الدولية، رامياً بعرض الحائط مبدأ " الحق في تقرير المصير"، ذلك المبدأ الذي يعتبر السند الشرعي للنضال من أجل التحرر من قبضة الاستعمار.
ومن الناحية الدستورية، فإذا كان الملـك وفقا للمادة 33-1 من الدستور، هـو الـذي يعلـن الحـرب ويعقـد الصلـح ويبـرم المعاهـدات والاتفاقات، فإن المادة 6-2 تقضي بأن: " الدفاع عن الوطن وأرضه ووحدة شعبه والحفاظ على السلم الاجتماعي واجب مقدس على كل أردني" وكلمة أردني جاءت مطلقة في النص الدستوري، فكما هي تخاطب كل فرد أردني من آحاد الناس، فإنها تتسع لتشمل الملك باعتباره أردنيا وهو رأس الدولة. وهذا يمنح الملك الحق في اختيار الدبلوماسية التي يراها لكي يحافظ على وحدة الوطن ومصالحه ويحول دون تهجير أهلنا في غزة بأي أسلوب كان.
هذا ردنا على كل من يشكك بموقف الاردن الثابت تجاه مخطط تهجير أهلنا من غزة، وما قلمنا بالنرجسي وما الغيم إلا صديقه، وهو من يتحدى حراس الرد وهو رفيق الخير والإنسانية ..... تواتره غريب كراقص مجنون يؤدي دوره، كما أن وطننا لم يكن يوما في استكانة ولم يلحقه الهوان. ولم نقصد سد مسام الورق بالحبر.........لدينا الكثير مما نكتبه ولكننا فقط نؤدي مهامنا من الحزن المخلص على عروبتنا.
حفظ الله الأردن وطنا وقيادة وشعبا من كل سوء، وحفظ غزة وأهلها من كيد الأشرار.