زاد الاردن الاخباري -
إقبال حمايدة - ربما كان من أصعب المؤتمرات الصحفية والأكثرها دقة التي عايشها الملك مؤخراً؛ فهو من ناحية، أمام رئيس لا تحكمه أعراف ولا بروتوكولات وربما لا أخلاق، يريد ان يُظهر للعالم - في كل مناسبة- سطوته وقوته في تحقيق ما يسعى إليه. وهو يملك الكثير من الأدوات للضغط على الأردن وعلى غيره لتحقيقها. ومن ناحية أخرى، فالملك أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية لا يريد أن يبدو فيها كمن يتنازل عن حقوق أصيلة للشعب الفلسطيني.
لقد كان الملك كمن يمشي على حافة السكين؛ فهو لا يريد إغضاب رئيسٍ "متعجرف" يقود أقوى دولة في العالم والحليف الأكبر لدولة الكيان الإسرائيلي. وبنفس الوقت لا يريد أن يصرّح بشيءٍ قد يبدو أو يُفسر على أنه ضوء أخضر لتهجير الغزيين من ديارهم.
كانت إجاباته تمثل المرور الضيق جداً، والوعر بين هذين الخيارين الخطرين!
فأيٍ من هذين الخيارين لا يصلح أبداأن يكون خياراً للملك. لكن الحكمة، بل وربما النجاح يكمن في كيفية التصرف والرد في موقف "مفاجئ" كهذا، دون اللجوء لأي من هذين الخيارين.
ما يمكن ان يُقال في هذا المقام، أن الملك أجاب بدبلوماسية بالغة فوتت فرصاً كبيرة على رئيس نرجسي لا يهتم بأي شيء أو بأي شخص أكثر من اهتمامه بنفسه. واستطاع الملك أيضاً ان يقدم إجابات تهدف للخروج من هذا الموقف بأقل الخسائر دون الميل الى تبني أفكار مستضيفه الذي بدا وكأنه يروج، وبشدة، لسلعة رخيصة لا لحل سلمي يمس ملايين البشر. وكذلك، دون أن يرفضها مباشرة بشكل قد يخلق صداماً هو بغنىً عنه.
هذا فيما يمكن قوله، أما فيما يمكن فعله؛ فقد أصر الملك على أن التعامل مع هذه القضية لا يتم بشكل فردي مع دولته، بل سيكون بشكلٍ جماعي مع عدة دول عربية مؤثرة، هي بالأساس حليفة لواشنطن وتربط الاخيرة معها مصالح متبادلة لا يمكن إغفالها من قبل ترامب وعصبته.
وهذا نجاح، ولو مرحلي، لدفع ترامب للتعامل مع الأردن كدولة ضمن مجموعة، وبالتالي لا يمكن الاستقواء عليها منفردة.
طبعا ما لم يقله ترامب أخطر مما قاله! فبالرغم من صراحته الفظة أحيانا، إلا أنه رجل الصفقات الذي قد يوهمك ان هذه الكعكة هي ما يريد، بينما عينه على كعكة أخرى أكثر جاذبية، يسعى لالتهامها..أو تقديمها كهدية لحلفائه الأقربين!
القادم لن يكون سهلاً في ظل وجود حكومة متطرفة لكيان متطرف، مدعومة بالكامل من دولة عظمى، تحت قيادة لا تفهم كثيرا- وربما لا يعنيها أن تفهم- تعقيدات المشهد الجيوسياسي والتاريخي في المنطقة.
هي قيادة تقود في طريق واحد وباتجاه واحد فقط؛ عنوانه تحالف الرأسمالية والصهيونية، ولا تكترث حتى وان كانت تقود أمريكا أو العالم بعكس اتجاه السير!
مرة أخرى، ترامب ليس رجل سياسة، بل رجل مال وصفقات، يتلقى معلوماته - وربما أفكاره- عن العالم، من مصادر محددة ومحدودة تحيط به بشكل متواصل. وهذا مهم جداً في التعاطي معه ومع خططه ومشاريعه.
وبالمقابل، ما يقوله الساسة ليس بالضرورة هو ما سيفعلونه، فالسياسة فن الممكن، والممكن كثير في هذا العالم..!
الافكار التارمبية " المجنونة" تتطلب كسر دائرة الشر المحيطة به لإيصال الحقائق بطريقة موضوعية وعادلة. وتتطلب أيضاً تحالفات قوية لكي يتم لجم هذه الأفكار أو التخفيف من حدتها؛ تبدأ هذه التحالفات من الداخل الاردني بين الرسمي والشعبي ومن مختلف الأصول والمنابت. ثم تتوسععلى شكل تحالفات أقليمية -عربية- وتمتد لتحالفات دولية وحتى مع الداخل الأمريكي نفسه، حيث هناك الكثير ممن يؤمنون بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وحقه في الحياة على أرضه وفي دولته.
إقبال حمايدة- نيويورك
أردني مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية