يقف الشرق الأوسط على عتبة اضطراب جديد بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مشروعه المثير للجدل لترحيل سكان غزة وفرض السيطرة الكاملة على القطاع ، هذا الطرح، الذي يعدّ من أكثر المقترحات الأميركية جرأة منذ عقود، يثير تساؤلات عميقة حول إمكانية تحقيقه والوسائل التي قد تلجأ إليها واشنطن لتنفيذه ، وفي هذا التحليل، نستعرض خمسة سيناريوهات محتملة قد يعتمدها ترامب، منفردة أو مجتمعة، لتحقيق هدفه.
السيناريو الأول: التفاهمات الإقليمية عبر الإغراءات الاقتصادية ، وعلى الرغم من الرفض المصري والأردني القاطع لفكرة ترحيل الفلسطينيين، إذ يرون فيها "تصفية للقضية الفلسطينية"، يراهن ترامب على إمكانية تغيير موقف البلدين عبر تفاهمات سياسية واقتصادية مغرية ، يمكن أن تشمل هذه التفاهمات:
ضمانات أمنية واسعة النطاق تشمل الدعم الاستخباراتي وتعزيز التعاون العسكري ، و
مساعدات اقتصادية واستثمارات أميركية مباشرة، قد تتضمن مشاريع بنية تحتية ضخمة لتحفيز الاقتصادين المصري والأردني ، فضلاً عن
تخفيف الضغوط المالية عبر دعم المفاوضات مع صندوق النقد والبنك الدولي، لا سيما أن كلا البلدين يعانيان من أعباء ديون ضخمة ، فالديون الخارجية لمصر بلغت 155.2 مليار دولار، بينما تعاني الأردن من دين يقارب 48.3 مليار دولار، مع توقعات بارتفاعه إلى أكثر من 55 مليار دولار خلال السنوات القادمة ، وقد سبق لواشنطن أن استخدمت آلية الإعفاء من الديون لأغراض سياسية، كما حدث في عام 1991 عندما أعفى الرئيس بوش الأب مصر من نصف ديونها لضمان دعمها في حرب الخليج.
السيناريو الثاني: الضغط الاقتصادي والسياسي كأداة للابتزاز ، إذا لم تفلح الإغراءات الاقتصادية، فقد تلجأ واشنطن إلى ممارسة ضغوط مباشرة على عمان والقاهرة من خلال :
تخفيض أو تعليق المساعدات الأميركية، حيث تعتبر مصر والأردن من أكبر الدول المتلقية للمساعدات الأميركية بعد إسرائيل ، واستخدام المعونات العسكرية كورقة ضغط، فقد حجبت واشنطن في السابق مئات الملايين من الدولارات من المساعدات العسكرية لمصر بسبب ملفات حقوق الإنسان، ومن غير المستبعد تكرار ذلك لدفع القاهرة إلى قبول الخطة الأميركية ، والضغط عبر المؤسسات المالية الدولية لإعادة جدولة الديون بطريقة تُقيّد استقلال القرار الاقتصادي للبلدين ، فالولايات المتحدة قدمت لمصر أكثر من 50 مليار دولار منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، بينما بلغت المساعدات الأميركية للأردن نحو 1.7 مليار دولار سنويًا ، وفي عام 2019، أعادت واشنطن جدولة 177 مليون دولار من ديون الأردن، لكنها قد تستخدم هذا الامتياز كأداة للضغط في المستقبل.
السيناريو الثالث: دفع إسرائيل إلى تصعيد عسكري لإجبار السكان على النزوح ، فقد تسعى الإدارة الأميركية إلى تمهيد الطريق لتهجير سكان غزة عبر دعم إسرائيل في شن عملية عسكرية واسعة النطاق، مما يؤدي إلى تدمير البنية التحتية ودفع السكان إلى الهروب القسري ، وقد استخدمت هذه الاستراتيجية سابقًا في مناطق أخرى، حيث أدت الضغوط العسكرية إلى تغييرات ديموغرافية جذرية.
السيناريو الرابع: استغلال الفوضى الإقليمية لإعادة رسم الخرائط ، وفي حال استمرار الرفض العربي، قد تلجأ واشنطن إلى استراتيجية تفكيك المنطقة عبر تغذية الصراعات الداخلية وإثارة النزاعات الطائفية والعرقية، ما يخلق بيئة مواتية لفرض حلول غير تقليدية على حساب الفلسطينيين.
السيناريو الخامس: فرض وقائع جديدة على الأرض ، و
قد تسعى واشنطن وإسرائيل إلى فرض الأمر الواقع من خلال توسيع المستوطنات في الضفة الغربية ونقل السكان تدريجيًا من غزة إليها، مما يجعل الحل البديل مستحيلًا.
وعلى الرغم من السيناريوهات المطروحة، لا تزال أمام مصر والأردن خيارات للمناورة والرفض، إذ يدركان أن تهجير سكان غزة لن يكون مجرد أزمة إنسانية، بل سيؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية ودفن فكرة الدولة نهائيًا ، فهل تستطيع العواصم العربية الصمود في وجه الضغوط الأميركية، أم أن إغراء المصالح الاقتصادية سيجعلها تعيد النظر في مواقفها؟ ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .