يقف القانون الدولي أمام مشهد سياسي خطير يتكشف في المنطقة، حيث حذر المرجع البارز في القانون الدولي، الدكتور أنيس القاسم، من الدلالات العميقة للعبارة التي كررها جلالة الملك عبد الله الثاني بأن "التهجير من غزة والضفة الغربية إعلان حرب على المملكة" ، هذه العبارة، بحسب القاسم، تتجاوز كونها موقفًا سياسيًا لتشكل أساسًا قانونيًا ودوليًا ينبغي أن يدركه صانعو القرار في الأردن ومصر، ويدرسه الخبراء التشريعيون بعمق ، سيما وأن التهجير القسري ، تعتبر جريمة حرب وفق القانون الدولي ، حيث
لا يترك القانون الدولي مجالًا للشك بأن تحريك السكان قسرًا محرمٌ تمامًا بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية، وهو ما أكدته العديد من القرارات القضائية الدولية في نزاعات عدة ، ويشدد الدكتور القاسم على أن تصريحات جلالة الملك لا يجب أن تبقى ضمن الإطار السياسي، بل يجب أن تُترجم إلى إجراءات قانونية ودبلوماسية واستراتيجية تحصّن الأردن من تداعيات أي تهجير محتمل ، ووفقًا للقانون الدولي، فإن إعلان الحرب يعني عدوانًا محرمًا، وإذا ما تحقق التهجير كجزء من هذا العدوان، فإن الأردن ملزم بالدفاع عن نفسه بكل الوسائل المتاحة، بما فيها العسكرية ، وبذلك، فإن أي محاولة لترحيل الفلسطينيين قسرًا إلى الأردن تُعد اعتداءً مباشراً على سيادة الدولة الأردنية، ما يستوجب ردًا يتناسب مع حجم التهديد ،
ويرى القاسم أن هذا التهجير، سواء تم تحت الضغط أو عبر آليات غير مباشرة، يشكل تهديدًا وجوديًا للأردن، تمامًا كما يُهدد مصر في حال فتح جبهة مشابهة في سيناء ، ومن هنا، يصبح التصدي لهذا السيناريو ليس خيارًا سياسيًا فقط، بل ضرورة استراتيجية وأمنية ملحة ، ويحذر القاسم من أن إسرائيل لا تكتفي بالترويج لفكرة التهجير، بل تمارسها فعليًا على الأرض، في ظل تواطؤ أمريكي واضح، كما ظهر في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، ولذلك، ينصح القاسم الحكومة الأردنية باتخاذ إجراءات استباقية عاجلة، على المستويين القانوني والدبلوماسي، أبرزها :
1. تحصين الموقف العربي والدولي: من خلال استصدار قرارات واضحة من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودول عدم الانحياز تدين أي عمليات تهجير قسري ، والضغط دبلوماسيًا على القوى الكبرى لتوضيح موقفها من هذا الانتهاك الصريح للقانون الدولي.
2. استخدام معاهدة وادي عربة كأداة قانونية: حيث
تنص المادة الثانية، الفقرة السادسة من معاهدة وادي عربة على أن تحركات السكان القسرية التي تؤثر سلبًا على أي من الطرفين غير مسموح بها ، وإذا مارست إسرائيل التهجير، يحق للأردن الاحتكام إلى القانون الدولي وتحميل إسرائيل التبعات القانونية والسياسية والاقتصادية، وصولًا إلى الطعن في الاتفاقية نفسها.
3. رفع القضية إلى الهيئات القضائية الدولية: من خلال
تقديم اعتراض رسمي أمام محكمة العدل الدولية ، و
تحريك مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار قرارات أممية واضحة تُجرّم أي عملية تهجير قسري جديدة.
ولا يقتصر التهجير القسري على كونه عدوانًا سياسيًا أو عسكريًا، بل يمتد ليشكل تهديدًا استراتيجيًا لبنية الدولة الأردنية، إذ يؤدي إلى:
إخلال بالتركيبة الديموغرافية، ما قد يخلق اضطرابات داخلية معقدة ، فضلاً عن الأعباء الاقتصادية الضخمة والتي يصعب على الدولة تحملها، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية القائمة ، إضافة لذلك المخاطر الأمنية الكبرى، حين تتحول موجات التهجير إلى قنبلة موقوتة قد تفجر صراعات جديدة في المنطقة ، ويستند القاسم إلى سوابق قانونية دولية، مثل قضية الهند وبنغلادش، حيث أدى نزوح 10 ملايين بنغالي إلى الهند إلى أزمات أمنية وسياسية عميقة، وأيضًا قضية الروهينجا في ميانمار، التي أثبتت أن التهجير يمكن أن يتحول إلى جريمة دولية يعاقَب عليها منفذوها.
وخلاصة القول : الأردن أمام اختبار وجودي ، حيث يشكل التهجير القسري تهديدًا مباشرًا للأردن، ليس فقط على المستوى الديموغرافي، بل كقضية أمنية واستراتيجية قد تعيد رسم خريطة المنطقة ، وعليه، فإن الأردن ليس أمام خيار التكيف مع الوضع، بل يجب أن يتحرك بشكل حاسم لحماية سيادته واستقراره، سواء عبر التحركات الدبلوماسية، أو عبر اللجوء إلى إجراءات قانونية دولية، وصولًا إلى الخيار العسكري في حال فرض عليه ذلك ، إنها معركة وجودية، لا يمكن التعامل معها بسياسات الانتظار، بل تتطلب حسمًا واستعدادًا على كل الأصعدة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .