الحادي عشر من فبراير سيضاف إلى أيام الوطن. كيف نبني على ما تم في البيت الأبيض ومطار ماركا (مَرْكا عبدالله الأول)؟ الأداء الملكي السامي في واشنطن والالتفاف الأردني الشعبي حول القائد في عمّان. متى نحيل الجذوة إلى شعلة والفزعة إلى هبّة؟ هبّة أردنية خالصة تؤطر وتؤسس لعهد الكرامة صنو النشامى؟
حتى ساعة كتابة هذه السطور يكاد لا ينقطع سيل الإشعارات الجارف على التايم لاين الأردني في المنصات كافة وكل ما يستنفر ويستنهض الهمم، كلما لاح في الأفق اسم الوطن والعرش وقائده المفدى. الزهو الأردني العبدلي الهاشمي أسكت البعض فتواروا عن الأنظار، وألجم البعض الآخر فيما يسمى «قصف جبهات»! كما الحق يزهق الباطل يصعقه ويصرعه، انتصر الموقف الأردني أمام الكاميرات والعدسات ذات الفلاشات والكشّافات الكثيرات فزادت غرفة استقبال كبار الضيوف الصغيرة ازدحاما، وكتب عبدالله الثاني على رأس السطر والشاشة بأن اللاءات الملكية الوطنية الأردنية ممنوعة من الصرف، غير قابلة للصرف، لا يعرف محلها من الإعراب إلا من فهم أصول اللغات السامية، وأدرك معاني العربية بلسان أردني فصيح.
خلاصة التجربة، عرف الأردن كما في كل أزمة ومنعطف من قلبه على الأردن ومعه. المعيار واضح يحظى بإجماع أردني أوجزه سيدنا، قائدنا، جلالة الملك بنهج جند الوطن عقال الراس ورموش العين وهدب شماغه، «الأصدق قولا والأخلص عملا»..
من أراد أن يكون مع الأردن وقلبه عليه يبقي عينيه على البوصلة، الأردن أولا ودائما.. هذا هو الشعار الذي يفهمه ويحترمه قادة العالم، العدو قبل الصديق والشريك، قبل الحليف والأخ. لم ولن أتردد أبدا بالاشتباك إعلاميا وثقافيا واجتماعيا في أي ساحة تخدم ما يُرضي الله والوالدين والوطن، أشارك في استضافات أمام الكاميرا وخلفها -بالنور- باللغتين العربية والإنجليزية، ووددت لو أتقنت الكردية والتركية والفارسية والعبرية.. قلت لمضيفتي في إحدى اللقاءات المتلفزة المباشرة في ذلك اليوم الأغرّ أن لا خوف ولا قلق من لقاء الملك بالرئيس، فكلاهما يؤمنان بالشعار ذاته، وقد انتخبت دونالد ترامب ثلاثا على هذا الأساس. الأردن أولا تماما كما أمريكا أولا بمعنى لا شيء أبدا يعلو مصالح الناس وفي مقدمتها أمنهم وكراماتهم وحرياتهم وأرزاقهم.
لم تمر بضعة أيام على أول لقاء قمة عربي أمريكي، وها هو الخير يتحقق على أكثر من صعيد، أهمه على الإطلاق هو الداخل. التجلّي المبهر المهيوب للحالة الوطنية الحقيقية الأردنية بين الملك والجيش والعشائر. ينبغي قولها بالفم المليان. نعم العشائر وهذا لا يعني وفقا لصغار العقول والنفوس، لا مسقط رأس ولا تسلسل جينات وراثية ترجع إلى ما قبل الأنباط، فالعشيرة واحدة، العشيرة أردنية لها ملك واحد وجيش واحد، وقائد واحد للجيش، وشيخ واحد للعشيرة للأسرة الأردنية الكبيرة قولا وعملا، يعني بالعربي الفصيح لمن كان قلبه مع الأردن وعلى الأردن، لا أحدا ولا شيئا سواه.
الأمل معقود بأن يتم التسريع -دون إغفال شروط الرويّة- في اجتثاث أي زرع غير أردني المنبت أو الثمر.. «من ثمارهم تعرفونهم» كما تعلمنا من السيد المسيح. هذا الفداء الملوكي هذا الاتضاع الهاشمي، هذه الأناة وهذه المحبة التي أفرحنا بها أبو حسين ابن الحسين، هي التي دفعت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين لِفِتْ إلى اختتام إيجازها الصحفي غداة القمة بتأكيد موقف الأردن الرافض بشكل قطعي التهجير والتوطين. قرأت النص بعناية، وقدّمت له على أنه بتوجيه من الرئيس ترامب ليظهر بعد ذلك بكلمة حارة بفيديو تم تسجيله من مكتبه البيضاوي وعرضته صفحتا السفارتين في واشنطن وعمّان، يؤكد فيه اعتزازه بالملك وبالأردن والأردنيين، ويغبطهم على أن قائدهم مليكهم على هذا القدر من العظمة ومن المحبة العظيمة لشعبه ووطنه.
هذه أيام فارقة، فيها من الزخم أردنيا، وأردنيا أمريكيا، وأردنيا عربيا خاصة مصريا وسعوديا، ما يبشّر بخير يفرحنا ويغيظ كثيرين وهم بوضوح: الأردنيون بالاسم (على غرار مصطلح جمهوريين بالاسم في أمريكا المعروفين اختصارا ب «راينوز»). غير الأردنيين قلبا وقالبا من جماعة أو تيار من جماعة أو حزب، ومن لفّ لفهم. فلول التنظيمات التي اقترفت خطيئة التآمر المسلح الغادر على الأردن في أيلول الأبيض سنة 1970. مرتزقة دكاكين «إنجي أووز» الذي قيّض الله من يفضح أجندات بعضهم -لا نعمم ولا نستبق القضاء- عبر حملة التنظيف المالي والإداري التي يشنها ترامب وذراعه اليمنى إيلون ماسك في «دووج». وأخيرا -وهذا أكثرهم خطورة- شلل زواج المصلحة أو العرفي أو المسيار أو المتعة القائم بين حفنة من أقصى اليمين على أقصى اليسار الأيدولوجي في عولمة متلونة متنمرة كما الحرباء إذ أنجبت أفعى!
وبلسان طيب الذكر، وزير الداخلية الأردني الأسبق د.سلامة حمّاد والذي صارت مقولته تعليقا أردنيا رائجا حتى في المنصات العربية: بْتِنْحَلّ.. ما عليك! دواهم معروف أقله التشميس بالاسم الرباعي -طبعا «لا تزر وازرة وزر أخرى»- وأكثره حسما -سحب نعمة وبركة الجنسية والإقامة والعمل وحتى الدراسة- ممن لا يصونها «التهلّي» الأردني بالضيف والأخوّة الصادقة للجميع أيا كانت ظروف اللجوء أو الاستضافة.
«وطن لا تحميه لا تستحق العيش فيه».. هذا الشعار معروف في كل الدول والمجتمعات وقد كان سببا من أسباب عودة اليمين «التسونامية» في كثير من الدول في مقدمتها أمريكا، وإيطاليا وهنغاريا (المجر) ودول أوروبية أخرى، وقريبا ألمانيا خاصة بعد جريمة الدهس الإرهابية التي اقترفها طالب «لجوء» أفغاني في ميونخ بولاية بافاريا عشية انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن الذي يعقد سنويا منذ عام 1963. نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس صارح المؤتمرين وخاصة الأطلسيين والأوروبيين اليوم بأن أكبر تهديد لأوروبا اليوم هو الداخل، فاقتضى التنويه..